مُخَاطَبًا بِالصَّوْمِ، بَلْ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ، بِخِلَافِ الْمَعْضُوبِ إِذَا حَجَّ عَنْهُ غَيْرُهُ، ثُمَّ قَدَرَ، يَلْزَمُهُ الْحَجُّ فِي قَوْلٍ، لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ. ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: إِذَا قَدَرَ قَبْلَ أَنْ يَفْدِيَ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ، وَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ الْفِدْيَةِ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْحَجِّ، لِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ عُذْرَهُ غَيْرُ زَائِلٍ، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ «التَّتِمَّةِ» فِي آخَرِينَ نَقَلُوا خِلَافًا فِي أَنَّ الشَّيْخَ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بِالصَّوْمِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْفِدْيَةِ بِالْعَجْزِ، أَمْ يُخَاطَبُ بِالْفِدْيَةِ ابْتِدَاءً؟ وَبَنَوْا عَلَيْهِ الْوَجْهَيْنِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ.
الطَّرِيقُ الثَّانِي: لِوُجُوبِ الْفِدْيَةِ مَا يَجِبُ لِفَضِيلَةِ الْوَقْتِ، وَذَلِكَ فِي صُوَرٍ. فَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ، إِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا، وَلَا فِدْيَةَ كَالْمَرِيضِ.
وَإِنْ لَمْ تَخَافَا مِنَ الصَّوْمِ، إِلَّا عَلَى الْوَلَدِ، فَلَهُمَا الْفِطْرُ وَعَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ. وَفِي الْفِدْيَةِ أَقْوَالٌ.
أَظْهَرُهَا: تَجِبُ، وَالثَّانِي: تُسْتَحَبُّ، وَالثَّالِثُ: تَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعِ دُونَ الْحَامِلِ. فَعَلَى الْأَظْهَرِ: لَا تَتَعَدَّدُ الْفِدْيَةُ بِتَعَدُّدِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قُطِعَ فِي «التَّهْذِيبِ» .
وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُرْضِعِ وَلَدَهَا، أَوْ غَيْرَهُ، بِإِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؟ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: لَا فَرْقَ، فَتُفْطِرُ الْمُسْتَأْجِرَةُ وَتَفِدِي. كَمَا أَنَّ السَّفَرَ لَمَّا أَفَادَ الْفِطْرَ، يَسْتَوِي فِيهِ الْمُسَافِرُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي «الْفَتَاوَى» : الْمُسْتَأْجَرَةُ لَا تُفْطِرُ، وَلَا خِيَارَ لِأَهْلِ الصَّبِيِّ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ قَوْلُ صَاحِبِ «التَّتِمَّةِ» وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ: يَحِلُّ لَهَا الْإِفْطَارُ، بَلْ يَجِبُ إِنْ أَضَرَّ الصَّوْمُ بِالرَّضِيعِ.
وَفِدْيَةُ الْفِطْرِ، عَلَى مَنْ تَجِبُ؟ قَالَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى مَا لَوِ اسْتَأْجَرَ لِلتَّمَتُّعِ، فَعَلَى مَنْ يَجِبُ دَمُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. قَالَ: وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَرَاضِعُ، فَأَرَادَتْ أَنْ تُرْضِعَ صَبِيًّا، تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، جَازَ الْفِطْرُ لَهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute