كَانَ الَّذِي يَخَافُهُ مُسْلِمِينَ أَوْ كُفَّارًا. لَكِنْ إِذَا كَانُوا كُفَّارًا وَأَطَاقُوا مُقَاوَمَتَهُمْ، يُسْتَحَبُّ لَهُمُ الْخُرُوجُ لِلْحَجِّ، وَيُقَاتِلُونَهُمْ لِيَنَالُوا الْحَجَّ وَالْجِهَادَ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَمْ يُسْتَحَبَّ الْخُرُوجُ وَالْقِتَالُ. وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
وَلَوْ بَعَثُوا بِأَمَانِ الْحَجِيجِ، وَكَانَ أَمَانُهُمْ مَوْثُوقًا، أَوْ ضُمِنَ لَهُمْ مَا يَطْلُبُونَهُ، وَأَمِنَ الْحَجِيجُ لَزِمَهُمُ الْحَجُّ. وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفُرُهُمْ بِأُجْرَةٍ وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ.
قَالَ الْإِمَامُ: أَصَحُّهُمَا: لُزُومُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ. وَلَوِ امْتَنَعَ مَحْرَمُ الْمَرْأَةِ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهَا إِلَّا بِأُجْرَةٍ، قَالَ الْإِمَامُ: فَهُوَ مُرَتَّبٌ عَلَى أُجْرَةِ الْخَفِيرِ، وَاللُّزُومُ فِي الْمَحْرِمِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى الْأُجْرَةِ مَعْنِيٌّ فِي الْمَرْأَةِ، فَأَشْبَهَ مُؤْنَةَ الْمَحْمِلِ فِي حَقِّ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ.
فَرْعٌ
يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وُجُودُ الزَّادِ وَالْمَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي جَرَتِ الْعَادَةُ بِحَمْلِ الزَّادِ وَالْمَاءِ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَتْ سَنَةَ جَدْبٍ، وَخَلَا بَعْضُ تِلْكَ الْمَنَازِلِ مِنْ أَهْلِهَا، أَوِ انْقَطَعَتِ الْمِيَاهُ، لَمْ يَجِبِ الْحَجُّ. وَكَذَا لَوْ كَانَ يَجِدُ فِيهَا الزَّادَ وَالْمَاءَ، لَكِنْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَهُوَ الْقَدْرُ اللَّائِقُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. وَإِنْ وَجَدَهُمَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَزِمَ التَّحْصِيلُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْأَسْعَارُ رَخِيصَةً أَوْ غَالِيَةً إِذَا وَفَّى مَالُهُ بِهِ. وَيَجِبُ حَمْلُهَا بِقَدْرِ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ زَادَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرَفًا، كَحَمْلِ الزَّادِ مِنَ الْكُوفَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَحَمْلِ الْمَاءِ مِنْ مَرْحَلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ، وَوُجِدَ آلَاتُ الْحَمْلِ.
أَمَّا عَلَفُ الدَّابَّةِ، فَيُشْتَرَطُ وَجُودُهُ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَعْظُمُ بِحَمْلِهِ لِكَثْرَتِهِ. ذَكَرَهُ صَاحِبَا «التَّهْذِيبِ» وَ «التَّتِمَّةِ» وَغَيْرُهُمَا.
قُلْتُ: إِذَا ظَنَّ كَوْنَ الطَّرِيقَ فِيهِ مَانِعٌ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ عَدَمِ مَاءٍ، أَوْ عَلَفٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَتَرَكَ الْحَجَّ، ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا مَانِعَ، فَقَدْ لَزِمَهُ الْحَجُّ. صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute