للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْحَجِّ، وَكَانَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ التَّشْرِيقِ قَضَاءً وَإِنْ بَقِيَ الطَّوَافُ؛ لِأَنَّ تَأَخُّرَهُ بَعِيدٌ فِي الْعَادَةِ، فَلَا يَقَعُ مُرَادًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) [الْبَقَرَةِ: ١٩٦] هَكَذَا حَكَاهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ. وَفِي «التَّهْذِيبِ» حِكَايَةُ وَجْهٍ ضَعِيفٍ يُنَازَعُ فِيهِ.

فَرْعٌ

وَأَمَّا السَّبْعَةُ، فَوَقَتُهَا إِذَا رَجَعَ. وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ، قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: الرُّجُوعُ إِلَى الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي «الْمُخْتَصَرِ» وَحَرْمَلَةُ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْفَرَاغُ مِنَ الْحَجِّ. فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ، فَإِنْ تَوَطَّنَ مَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَجِّ، صَامَ بِهَا. وَإِنْ لَمْ يَتَوَطَّنْهَا، لَمْ يَجُزْ صَوْمُهُ بِهَا. وَهَلْ يَجُوزُ فِي الطَّرِيقِ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى وَطَنِهِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ.

الْمَذْهَبُ: لَا يَجُوزُ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ. وَالثَّانِي: وَجْهَانِ. أَصَحُّهُمَا: لَا يَجُوزُ. وَإِذَا قُلْنَا: إِنَّهُ الْفَرَاغُ، فَلَوْ أَخَّرَهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى وَطَنِهِ، جَازَ. وَهَلْ هُوَ أَفْضَلُ، أَمِ التَّقْدِيمُ؟ قَوْلَانِ. أَظْهَرُهُمَا: التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ، لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ.

وَالثَّانِي: التَّقْدِيمُ مُبَادَرَةً إِلَى الْوَاجِبِ. وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ شَيْءٍ مِنَ السَّبْعَةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا قَابِلَةٌ لِلصَّوْمِ، سَوَاءٌ قُلْنَا: الْمُرَادُ بِالرُّجُوعِ الْفَرَاغُ، أَوِ الْوَطَنُ؛ لِأَنَّهُ بَعْدُ فِي الْحَجِّ، وَإِنْ حَصَلَ التَّحَلُّلُ. وَحُكِيَ قَوْلٌ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالرُّجُوعِ الرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى. وَجَعَلَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ هَذَا قَوْلًا سِوَى قَوْلِ الْفَرَاغِ مِنَ الْحَجِّ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ كَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ: أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ قَوْلًا آخَرَ، يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّةَ صَحَّ صَوْمُهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ طَوَافُ الْوَدَاعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>