الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ: الْيَدُ. فَيَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ إِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الصَّيْدِ ابْتِدَاءً، وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ، وَإِذَا أَخَذَهُ، ضَمِنَهُ كَالْغَاصِبِ. بَلْ لَوْ حَصَلَ التَّلَفُ بِسَبَبٍ فِي يَدِهِ، بِأَنْ كَانَ رَاكِبَ دَابَّةٍ، فَتَلَفَ صَيْدٌ بِعَضِّهَا، أَوْ رَفْسِهَا، أَوْ بَالَتْ فِي الطُّرُقِ، فَزَلِقَ بِهِ صَيْدٌ فَهَلَكَ، لَزِمَهُ الضَّمَانُ. وَلَوِ انْفَلَتَ بَعِيرُهُ فَأَتْلَفَ صَيْدًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ.
وَلَوْ تَقَدَّمَ ابْتِدَاءُ الْيَدِ عَلَى الْإِحْرَامِ، بِأَنْ كَانَ فِي يَدِهِ صَيْدٌ مَمْلُوكٌ لَهُ، لَزِمَهُ إِرْسَالُهُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَالثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ قَطْعًا، بَلْ يُسْتَحَبُّ. فَإِنْ لَمْ نُوجِبِ الْإِرْسَالَ، فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، لَهُ بَيْعُهُ وَهِبْتُهُ، لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ. فَإِنْ قَتَلَهُ، لَزِمَهُ الْجَزَاءُ. كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدَهُ، تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ. وَلَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ قَتَلَهُ، لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِلْمَالِكِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمَالِكِ. وَإِنْ أَوْجَبْنَا الْإِرْسَالَ، فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ؟ قَوْلَانِ:
أَظْهَرُهُمَا: يَزُولُ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ أَرْسَلَهُ غَيْرُهُ، أَوْ قَتَلَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَرْسَلَهُ الْمُحْرِمُ، فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ، مَلَكَهُ. وَلَوْ لَمْ يُرْسِلْهُ حَتَّى تَحَلَّلَ، لَزِمَهُ إِرْسَالُهُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ. وَحَكَى الْإِمَامُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَجْهَيْنِ: فِي أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ، أَمِ الْإِحْرَامُ يُوجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالَ، فَإِذَا أَرْسَلَ، زَالَ حِينَئِذٍ؟ وَأَوَّلُهُمَا: أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْجُمْهُورِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَزُولُ مِلْكُهُ، فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ، فَلَوْ أَخَذَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ. وَلَوْ قَتَلَهُ ضَمِنَهُ.
وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ: لَوْ مَاتَ فِي يَدِهِ بَعْدَ إِمْكَانِ الْإِرْسَالِ، لَزِمَهُ الْجَزَاءُ، لِأَنَّهُمَا مُفَرَّعَانِ عَلَى وُجُوبِ الْإِرْسَالِ، وَهُوَ مُقَصِّرٌ بِالْإِمْسَاكِ. وَلَوْ مَاتَ الصَّيْدُ قَبْلَ إِمْكَانِ الْإِرْسَالِ، وَجَبَ الْجَزَاءُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْإِرْسَالِ عَلَى الْإِحْرَامِ بِلَا خِلَافٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute