الْمَانِعُ الثَّالِثُ: الرِّقُّ. فَإِحْرَامُ الْعَبْدِ يَنْعَقِدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَبِغَيْرِ إِذْنِهِ. فَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ، سَوَاءً بَقِيَ نُسُكُهُ صَحِيحًا أَوْ أَفْسَدَهُ. وَلَوْ بَاعَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ، وَلَهُ الْخِيَارُ إِنْ جَهِلَ إِحْرَامَهُ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إِتْمَامِ نُسُكِهِ. فَإِنْ حَلَّلَهُ، جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بِالشُّرُوعِ، تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الزَّوْجَةِ إِذَا أَحْرَمَتْ بِحَجِّ التَّطَوُّعِ، وَهَذَا شَاذٌّ مُنْكَرٌ.
قُلْتُ: قَالَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ: وَلَوْ بَاعَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، فَلِلْمُشْتَرِي تَحْلِيلُهُ كَالْبَائِعِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أُذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ. فَإِنْ رَجَعَ وَلَمْ يَعْلَمِ الْعَبْدُ، فَأَحْرَمَ، فَلَهُ تَحْلِيلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي الْعُمْرَةِ، فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ، فَلَهُ تَحْلِيلُهُ، وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُ. قَالَهُ فِي «التَّهْذِيبِ» . وَظَنِّيٌّ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ عَنِ الْخِلَافِ.
قُلْتُ: ذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الصُّورَتَيْنِ وَجْهَيْنِ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ قَوْلُ صَاحِبُ «التَّهْذِيبِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّمَتُّعِ، فَلَهُ مَنْعُهُ مِنَ الْحَجِّ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُ عَنِ الْعُمْرَةِ، وَلَا عَنِ الْحَجِّ، بَعْدَ الشُّرُوعِ. وَلَوْ أَذِنَ فِي الْحَجِّ أَوِ التَّمَتُّعِ، فَقَرَنَ، لَمْ يَجُزْ تَحْلِيلُهُ. وَلَوْ أَذِنَ أَنْ يُحْرِمَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ، فَأَحْرَمَ فِي شَوَّالٍ، فَلَهُ تَحْلِيلُهُ قَبْلَ دُخُولِ ذِي الْقِعْدَةِ، وَبَعْدَ دُخُولِهِ، فَلَا. وَإِذَا أَفْسَدَ الْعَبْدُ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. وَهَلْ يُجْزِئُهُ الْقَضَاءُ فِي الرِّقِّ؟ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الصَّبِيِّ: فَإِنْ قُلْنَا: يُجْزِئُ، لَمْ يُلْزَمُ السَّيِّدُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ إِنْ كَانَ إِحْرَامُهُ الْأَوَّلُ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَكُلُّ دَمٍ لَزِمَهُ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ، كَاللِّبَاسِ، وَالصَّيْدِ، أَوْ بِالْفَوَاتِ، لَمْ يُلْزَمِ السَّيِّدُ بِحَالٍ سَوَاءً أَحَرَمَ بِإِذْنِهِ أَمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute