للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ، فَمَعْنَى التَّرْتِيبِ: أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الذَّبْحُ، وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ، إِلَّا إِذَا عَجَزَ عَنْهُ. وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ.

وَالنَّظَرُ الثَّانِي: فِي أَنَّهُ، أَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّقْدِيرِ، وَأَيُّ دَمٍ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ التَّعْدِيلِ؟ وَهَاتَانِ الصِّفَتَانِ مُتَقَابِلَتَانِ. فَمَعْنَى التَّقْدِيرِ: أَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ الْبَدَلَ الْمَعْدُولَ إِلَيْهِ تَرْتِيبًا أَوْ تَخْيِيرًا بِقَدْرٍ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ. وَمَعْنَى التَّعْدِيلِ: أَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالتَّقْوِيمِ وَالْعُدُولِ إِلَى غَيْرِهِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ. فَكُلُّ دَمٍ بِحَسَبِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ، لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: التَّرْتِيبُ وَالتَّقْدِيرُ. وَالثَّانِي: التَّرْتِيبُ وَالتَّعْدِيلُ. وَالثَّالِثُ: التَّخْيِيرُ وَالتَّقْدِيرُ. وَالرَّابِعُ: التَّخْيِيرُ وَالتَّعْدِيلُ. وَتَفْصِيلُهَا بِثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ.

أَحَدُهَا: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَهُوَ دَمُ تَرْتِيبٍ وَتَقْدِيرٍ، كَمَا وَرَدَ بِهِ نَصُّ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ. وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ، وَذَكَرْنَا أَنَّ دَمَ الْقِرَانِ فِي مَعْنَاهُ. وَفِي دَمِ الْفَوَاتِ، طَرِيقَانِ. أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: أَنَّهُ كَدَمَ التَّمَتُّعَ فِي التَّرْتِيبِ وَالتَّقْدِيرِ وَسَائِرِ الْأَحْكَامِ.

وَالثَّانِي: عَلَى قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: هَذَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَدَمِ الْجِمَاعِ فِي الْأَحْكَامِ، إِلَّا أَنَّ هَذَا شَاةً، وَالْجِمَاعُ بَدَنَةً، لَاشْتِرَاكِ الصُّورَتَيْنِ فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ.

الثَّانِي: جَزَاءُ الصَّيْدِ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَعْدِيلٍ، وَيَخْتَلِفُ بِكَوْنِ الصَّيْدِ مِثْلِيًّا أَوْ غَيْرِهِ، وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ. وَجَزَاءُ شَجَرِ الْحَرَمِ، كَجَزَاءِ الصَّيْدِ. وَسَبَقَ حِكَايَةُ قَوْلٍ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ، أَنَّ دَمَ الصَّيْدِ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَهُوَ شَاذٌّ.

الثَّالِثُ: دَمُ الْحَلْقِ وَالْقَلْمِ، وَهُوَ دَمُ تَخْيِيرٍ وَتَقْدِيرٍ. فَإِذَا حَلَقَ جَمِيعَ شَعْرِهِ، أَوْ ثَلَاثَ شَعْرَاتٍ، يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَذْبَحَ شَاةً، وَبَيْنَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَبَيْنَ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَإِذَا تَصَدَّقَ بِالْآصُعِ، وَجَبَ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ. وَحَكَى فِي «الْعُدَّةِ» وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ مَا يُعْطَى كُلُّ مِسْكِينٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>