لم يتورع عن أموال الناس لا يتورع عن الرشوة، وهي تحول بينه وبين الحق؛ كما سيأتي.
وهكذا من لم يكن عادلا - لجرأة فيه أو مداهنة أو محاباة - فهو يترك الحق وهو يعلم به، فهو أحد قضاة النار؛ لأنه عرف الحق وجار في الحكم.
قال في " الحجة البالغة ":
" أقول: لا يستوجب القضاء إلا من كان عدلا بريئا من الجور والميل، وقد عرف منه ذلك، وعالما يعرف الحق؛ لا سيما في مسائل القضاء.
والسر في ذلك واضح، فإنه لا يتصور وجود المصلحة المقصودة إلا بها ".
أقول: وأما توليه القضاء من جهة الظلمة؛ فالسلطان الذي أوجب الله طاعته في كتابه العزيز، وتواترت الأحاديث الصحيحة بذلك؛ هو من كان مسلما لم يفعل ما يوجب كفرا بواحا (١) ، وكان مقيما لأعظم أركان الإسلام وأجل شعائره؛ وهو الصلاة؛ فهذا هو السلطان الذي تجب على الناس طاعته، وامتثال أوامره، ويحرم عليهم أن ينزعوا أيديهم من طاعته، ولكن بشرط أن لا يكون ما يأمر به معصية؛ لما ثبت أن:" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "، وأن " الطاعة في المعروف "، فإذا أمر بما هو من الطاعة وجب الامتثال، وأمره للعالم بأن يكون قاضيا هو أمر بطاعة يجب امتثاله بنص الكتاب والسنة.
(١) بفتح الباء والواو؛ أي: جهارا؛ من باح بالشيء: إذا أعلنه.