أقول: الواجب الجزم بأن الفقير من ليس بغني، والغني قد ثبت في الشريعة المطهرة تعريفه، كما أخرجه أهل " السنن " من حديث ابن مسعود مرفوعاً: أنه قيل: يا رسول الله! وما الغنى؟ قال:" خمسون درهما أو قيمتها من الذهب "، فمن لم يملك هذا المقدار فهو فقير؛ لأنه إذا ارتفع عنه اسم الغنى ثبت له الفقر؛ إذ النقيضان لا يرتفعان، كما لا يجتمعان، ولا بد من كونه يملك معها ما لا بد منه من ملبوس وفراش ومسكن، حاصله ما تدعو الضرورة إليه؛ لأن من المعلوم أنه -[صلى الله عليه وسلم]- لم يرد بذلك المقدار قيمة ما يلبسه ويسكنه، ويلحق بذلك ما لا يتم له القيام بالأمور الدينية أو الدنيوية بدونه، كآلة الجهاد للمجاهد، وكتب العلم للعالم، وآلة الصناعة للصانع؛ فمن ملك مما هو خارج عن هذه الأمور ما يساوي خمسين درهماً؛ كان كمن ملك الخمسين أو قيمتها من الذهب فيكون غنيا، ومن لم يملك ذلك المقدار فهو فقير تحل له الزكاة، والمصير إلى ما قررناه متحتم.
والحق أن الفقير والمسكين متحدان، يصح إطلاق كل واحد من الاسمين على من لم يجد فوق ما تدعو الضرورة إليه خمسين درهما، وليس في قوله - تعالى -: {كانت لمساكين} ما ينافي هذا؛ لأن ملكهم لها لا يخرجهم عن صدق اسم الفقر والمسكنة عليهم، لما عرفت من أن آلات ما تقوم به المعيشة مستثناة، والسفينة للملاح كدابة السفر لمن يعيش بالمكاراة، والضرب في الأرض.
وليس في الآية الكريمة ما يدل على أن صدقة كل إنسان تُصرف في كل