كعب بن مالك في " الصحيحين " وغيرهما: أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما، حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى:" يا كعب {" فقال: لبيك يا رسول الله} قال: " ضع من دينك هذا "، وأومأ إليه؛ أي: الشطر، قال: قد فعلت يا رسول الله! قال: " قم فاقضه ".
وهذا الحديث فيه دليل على ما ذكرناه من الشفاعة والاستيضاع والإرشاد إلى الصلح؛ لأنه شفاعة لمن عليه الدين باستيضاع من له الدين بعضه، وفيه إرشاد إلى الصلح أيضا.
وقد سبق في كتاب الصلح ما يدل على مشروعيته من الكتاب والسنة، والقاضي داخل في عموم الأدلة.
( [حكم القاضي لا يحلل الحرام] :)
(وحكمه ينفذ ظاهرا فقط) ؛ لحديث أم سلمة في " الصحيحين "، وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
" إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم يكون ألحن (١) بحجته من بعض، فأقضي بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار ".
وقد حكى الشافعي الإجماع على أن حكم الحاكم لا يحل الحرام.
قال النووي: والقول بأن حكم الحاكم يحلل ظاهرا وباطنا مخالف لهذا
(١) • أي: أبلغ - كما في رواية في " الصحيحين " - (ن) .