الإسلام؛ إذا ترك المسلمون غزوهم إلى ديارهم - فذلك واجب دفعا لضررهم، وإن كان ضررهم لا يتعدى؛ فقد أخلوا بواجب الطاعة للإمام، والدخول فيما دخل فيه سائر المسلمين، ولا شك أن ذلك معصية عظيمة.
لكن إذا كانوا مع هذا مسلّمين للواجبات، غير ممتنعين من تأدية ما يجب تأديته عليهم؛ تركوا وشأنهم؛ مع تكرير الموعظة لهم، وإقامة الحجة عليهم.
وأما إذا امتنعوا من ذلك؛ فقد تظاهروا بالبغي، وجاهروا بالمعصية، وقد قال الله - عز وجل -: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ، وقد أجمع الصحابة على العزيمة التي عزمها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - من المقاتلة لمن فرق بين الصلاة والزكاة.
وسيأتي الكلام على صفة مقاتلة البغاة في الفصل الذي عقده الماتن لذلك.
( [لا يشترط السلطان العادل لوجوب الجهاد] :)
(مع كل بر وفاجر) ؛ لأن الأدلة الدالة على وجوب الجهاد - من الكتاب والسنة - وعلى فضيلته والترغيب فيه وردت غير مقيدة بكون السلطان أو أمير الجيش عادلا.
بل هذه فريضة من فرائض الدين، أوجبها الله - تعالى - على عباده المسلمين؛ من غير تقييد بزمن أو مكان أو شخص، أو عدل أو جور.
فتخصيص وجوب الجهاد بكون السلطان عادلا ليس عليه أثارة من علم، وقد يبلي الرجل الفاجر في الجهاد ما لا يبليه البار العادل، وقد ورد بهذا الشرع؛ كما هو معروف.