والسر فيه: أن الطالب لا يخلو غالبا من داعية نفسانية؛ من مال أو جاه، أو التمكن من انتقام عدو، ونحو ذلك، فلا يتحقق منه خلوص النية الذي هو سبب نزول البركات.
( [حكم أخذ الأجر على القضاء] :)
أقول: وأما أخذ الرزق على القضاء؛ فمال الله موضوع لمصالح المسلمين، ولهذا قيل له: بيت مال المسلمين.
ومن أعظم مصالح دينهم ودنياهم القاضي العادل في أحكامه، العارف من الشريعة المطهرة بما يحتاج إليه في حله وإبرامه؛ بل ذلك هو المصلحة التي لا توازنها مصلحة؛ لأنه يرشدهم إلى مناهج الشرع، ويفصل خصوماتهم بأحكام الله، فهو المتحمل لأعباء الدين، المترجم عنه لمن يحتاج إليه من المسلمين، فرزقه من بيت المال من أهم الأمور؛ ولا سيما إذا استغرق أوقاته في فصل خصوماتهم، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والخلفاء الراشدون، ومن بعدهم من السلف الصالح يقسمون أموال الله بين المسلمين، ويجعلون للعلماء نصيبا موفرا.
فالقاضي إذا كان متورعا عن أموال العباد، قائما بمصالح الحاضر منهم والباد؛ فقد استحق ما يكفيه من بيت المال من جهات؛ منها كونه من المسلمين، ومنها كونه عالما، ومنها كونه قاضيا.
وأما ما اعتاده جماعة من القضاة من أخذ الأجرة من الخصوم على الرقوم، فمن كان مكفيا من بيت مال المسلمين؛ لا يحل له ذلك! لأنه قد