أما طلحة والزبير ومن معهم؛ فلأنهم قد كانوا بايعوه، فنكثوا بيعته بغيا عليه، وخرجوا في جيوش من المسلمين، فوجب عليه قتالهم.
وأما قتاله للخوارج؛ فلا ريب في ذلك، والأحاديث المتواترة قد دلت على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
وأما أهل صفين؛ فبغيهم ظاهر؛ لو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم لعمار:" تقتلك الفئة الباغية "؛ لكان ذلك مفيدا للمطلوب.
ثم ليس معاوية ممن يصلح لمعارضة علي، ولكنه أراد طلب الرياسة والدنيا بين قوم أغتام (١) ؛ لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، فخادعهم بأنه طلب بدم عثمان، فنفق ذلك عليهم، وبذلوا بين يديه دماءهم وأموالهم، ونصحوا له؛ حتى كان يقول علي لأهل العراق أنه يود أن يصرف العشرة منهم بواحد من أهل الشام صرف الدراهم بالدينار.
وليس العجب من مثل عوام الشام؛ إنما العجب ممن له بصيرة ودين كبعض الصحابة المائلين إليه، بعض فضلاء التابعين، فليت شعري؛ أي أمر اشتبه عليهم في ذلك الأمر؛ حتى نصروا المبطلين وخذلوا المحقين؛ وقد سمعوا قول الله - تعالى -: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ، وسمعوا الأحاديث المتواترة في تحريم عصيان
(١) الغتمة - بضم الغين المعجمة وإسكان التاء -: عجمة في المنطق؛ ورجل أغتم: لا يفصح شيئا. (ش)