باعتبار ما لهم من المناقب (١) ؛ فإن إيجاب الزكاة فيما ليس من الأموال التي تجب فيها الزكاة بالاتفاق - كالدور، والعقار، والدواب ونحوها - بمجرد تأجيرها بأجرة من دون تجارة في أعيانها - مما لم يُسمع به في الصدر الأول الذين هم خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، فضلا أن يسمع فيه بدليل من كتاب أو سنة، وقد كانوا يستأجرون، ويؤجرون، ويقبضون الأجرة من دورهم وضياعهم ودوابهم، ولم يخطر ببال أحدهم أنه يخرج في رأس الحول ربع عشر قيمة داره أو عقاره أو دوابه {وانقرضوا وهم في راحة من هذا التكليف الشاق، حتى كان آخر القرن الثالث، من أهل المئة الثالثة، فقال بذلك من قال بدون دليل؛ إلا مجرد القياس على أموال التجارة، وقد عرفت الكلام في الأصل؛ فكيف يقوم الظل والعود أعوج؟}
مع أن هذا القياس في نفسه مختل بوجوه؛ منها: وجود الفارق بين الأصل والفرع؛ فإن الانتفاع بالمنفعة ليس كالانتفاع بالعين.
وأما العمومات التي أوردوها؛ فهي عن الدلالة على المطلوب بمراحل، والأمر أوضح من أن تُستغرق الأوقات في إبطاله ودفعه.
وأما ما زعموه من أن الموجب أولى من المسقط: فذلك - على عدم تسليمه - إنما هو بعد الاتفاق على أن الموجب والمسقط اجتمعا في أمر قد قضى الشرع بالوجوب في أصله، والأمر ههنا بالعكس؛ فإن الشرع لم يوجب في أعيان الدور والعقار - التي هي أصل الاستغلال - شيئا، ثم أين هذا الموجب؟ وما هو؟