أقول: الأحاديث القاضية بإيجاب العشر أو نصف العشر تقتضي التسوية بين القليل والكثير.
وأحاديث:" لا زكاة فيما دون خمسة أوسق " تقتضي اختصاص الوجوب بمقدار معلوم، هو الخمسة الأوسق، وعدم الوجوب فيما دونها.
فالأحاديث الأولة (١) عامة لقليل ما أخرجت الأرض من الأنواع المخصوصة ولكثيره، والأحاديث الثانية خاصة ببعض ذلك الخارج دون بعض، مصرحة بنفي الوجوب عن دون الخمسة الأوسق بمنطوقها، مثبتة لوجوبها في الخمسة فصاعدا بمفهومها، وهي أحاديث صحيحة، فإهمالها - مع كونها خاصة، والرجوع إلى العامة - خارج عن سنن الإنصاف، ولم يكن بيد من أهملها شيء يدفعها؛ إلا مجرد تكليف العباد بما هو أشق الشكوك، كشكوك الموسوسين في الطهارة.
وهذا رسول الله -[صلى الله عليه وسلم]- يقول:" ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمسة أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة "؛ ثبت هذا عنه في حديث واحد، فكان على من أوجب الزكاة فيما دون خمسة أوسق أن يوجبها فيما دون خمس أواق وخمس ذود؛ بل يوجبها فيما دون الأربعين من الغنم، والثلاثين من البقر، تمسكا بالعمومات القاضية بوجوب أصل الزكاة في الأموال، فإنه لا فرق بينها وبين حديث:
(١) بفتح الواو المشددة؛ قال ثعلب: " هن الأولات دخولا والآخرات خروجا، واحدتها الأولة والآخرة "، ثم قال: " ليس هذا من أصل الباب؛ إنما أصل الباب الأول والأولى، كالأطول والطولى "؛ قاله في " اللسان ". (ش)