تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية؛ وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلا ما فوق الألوف؛ فإنك تقول: جاءني القوم مثنى؛ أي: اثنين اثنين، وهكذا ثلاث ورباع، وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد.
فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا.
وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى في العدد؛ إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها؛ فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده: جاءني هؤلاء اثنين اثنين، أو ثلاثة ثلاثة، أو أربعة أربعة؛ فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء كثير؛ سواء كانت الواو للجمع أو للتخيير؛ لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم، فكأن الله سبحانه قال لكل فرد من الناس: انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع؛ ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة، وهي بمجردها كافية في الحل، حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها.
وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، فتنتهض بمجموعها للاحتجاج، وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال، ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة - كما صرح به الخطابي -؛ فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل، وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع؛ كما صرح بذلك في " البحر "(١)
(١) • وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إبطال التحليل " (ج ٣ ص ٢١٦ من " الفتاوى ") : " أجمع الصحابة على تحريم الجمع بين أكثر من أربع نسوة، كما رواه عبيدة السلماني وغيره ". (ن)