وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام، ومع العلم بالاختلاف؛ يكون التقدير على طريقة واحدة ظلما وحيفا.
ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط؛ بل كان - صلى الله عليه وسلم - يحيل على الكفاية مقيدا لذلك بالمعروف؛ كما في حديث عائشة عند البخاري، ومسلم، وأبي داود، والنسائي، وأحمد ابن حنبل، وغيرهم: أن هندا قالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي؛ إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم؟ فقال:" خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
فهذا الحديث الصحيح؛ فيه الإحالة على الكفاية مع التقييد بالمعروف، والمراد به الشيء الذي يعرف، وهو خلاف الشيء الذي ينكر، وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئا معينا، ولا المتعارف بين أهل جهة معينة؛ بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها، المتعارف بينهم.
مثلا؛ أهل صنعاء؛ المتعارف بينهم الآن أنهم ينفقون على أنفسهم وأقاربهم الحنطة والشعير والذرة، ويعتادون الإدام سمنا ولحما، فلا يحل أن يجعل طعام من تجب نفقته من طعام غير الثلاثة الأجناس المتقدمة: كالعدس، والفول، ولا من الشعير، والذرة فقط، ولا بدون إدام، ولا بإدام غير المعتاد كالزيت، والتلبينة، ونحو ذلك؛ فإن ذلك جميعه؛ وإن كان يصدق عليه لفظ الكفاية؛ لكنه لا يصدق عليه معنى المعروف، والعمل بالمطلق وإهمال قيده لا يحل.
وأما أهل البوادي المتصلة بصنعاء - والقريبة منها بمقدار بريد ودونه