وقد أغناه الله تعالي عن القتال، فقد استجابوا، فانتقل من الحرب إلي الموعظة الحسنة التي علمه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إياها.
وإذا كان قد أوصاه الله تعالى بما يجب عند الحرب، فقد أوصاه أيضا بما يجب علي المؤمن فى كل الأحوال، ولقد ذكر هو هذه الوصية عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فيما رواه الإمام أحمد رضى الله تعالي عنه فقد جاء في هذه الوصية:«لا تشرك بالله شيئا وإن قتلت وحرقت، ولا تعقن والديك، وإن أمراك أن تخرج من مالك وأهلك، ولا تتركن صلاة مكتوبة متعمدا فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمدا، فقد برئت منه ذمة الله، ولا تشربن خمرا، فإنه رأس كل فاحشة، وإياك والمعصية فإنه بالمعصية يحل كل سخط، وإياك والفرار من الزحف، وإن هلك الناس، وإذا أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا وأحببهم فى الله عز وجل» .
ومن وصية النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قوله له:«إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين» .
وبهذه الوصايا كان يعلم الناس واجبات الدين ومكارم الأخلاق، ومما علمه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قوله:«مفتاح الجنة شهادة أن لا إله الله تعالى» .
وإذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد ترك معاذ بن جبل بمكة المكرمة عند فتحها ليقيم فيها يعلم الناس، فقد أرسله أيضا إلي اليمن ليعلم أهله مع صاحبه أبى موسى الأشعري لتعليم الناس الإسلام.
ومع هذا العمل الجليل، وهو تعليم الناس، كان رضى الله تعالي عنه يجمع الجزية دينارا من كل حالم ويقول في ذلك: «بعثني رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم إلى اليمن وأمرني أن آخذ من كل حالم دينارا وعددا من المعافرى (أى الثياب) وأمرني أن آخذ من كل أربعين بقرة مسنة، ومن كل ثلاثين بقرة تبيعا حوليا، وأمرنى فيما سقت السماء العشر، وما سقي بالدوالى نصف العشر» وذلك فى زكوات الأموال الظاهرة.
ومن هذا يظهر أنه ولاه الخراج والجزية، وولاه الصدقات فكانت الولاية العامة شاملة- لكل ما يتعلق بإرادة الحكم.
وقد روى الإمام أحمد فى مسنده، وإن كان لا يخرج عما اتفق عليه الأئمة أصحاب السنن، كما جاء فى الحديث السابق، وهذا نص ما جاء في رواية الإمام أحمد.