أمرني أن آخذ من كل ثلاثين تبيعا «١» ، ومن كل أربعين مسنة، ومن الستين تبيعين، ومن السبعين مسنة وتبيعا، ومن الثمانين مسنتين، ومن التسعين ثلاثة أتباع، ومن المائة مسنة وتبيعين، ومن العشر ومائة مسنتين وتبيعا، ومن العشرين ومائة ثلاث مسنات، أو أربعة أتباع.
هذه رواية أحمد، وهي لا تخرج عن الرواية الأولي كما ذكرنا، وإن كانت أكثر تفصيلا، وإن الذى يهمنا فى هذه المسألة التي نترك تفصيلها لكتب الفقه علي نص الرسول صلي الله عليه وسلم في باب الزكاة بالنسبة للنعم والزرع والنقود.
إن الذى يهمنا أن نذكر لماذا قصرت تعليمات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم للزكاة على هذين الأمرين وهما زكاة الزرع وزكاة البقر، ولم يذكر لمعاذ رضي الله تعالي عنه أمرا فيما يتعلق بزكاة غير البقر من النعم وهي الغنم والإبل، ونقول: إن ذلك فيما يظهر لنا يرجع إلي أمرين:
أولهما: أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أمر والي الصدقات بأن يجمع الأموال الظاهرة، وهى النعم والزروع والثمار، وترك غيرها من الأموال التي سميت في الفقه بالأموال الباطنة لدين الناس يقدمونها من غير تفتيش أو تكشف، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم دعا الناس إلي أن يعدوا الزكاة مغنما وألا يعدوها مغرما.
الأمر الثاني: وهو الخاص بالعناية بذكر البقر دون غيرها من النعم، وقد بين عليه الصلاة والسلام زكاة غيرها من النعم في مواضع أخري، كان يذكرها لمن يرسله لجمع الزكوات من القبائل التي تسكن الصحراء، لأن السوائم فيها كان أغلبها من الغنم والإبل.
أما السبب في أنه فى أمره لمعاذ بن جبل ذكر له زكاة البقر والزرع، ولم يذكرها، لأنه فيما يظهر كانت اليمن أرضا زراعية، وفيها الخصب، وقد قال الله تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ، كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ، وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ، وَرَبٌّ غَفُورٌ
(سبأ: ١٥)
وإن البقر يكثر حيث تكثر الزراعة، وحيث تكون أرض خصبة منتجة، ولذلك ذكر النبي صلي الله تعالى عليه وسلم لمبعوثه إلي اليمن زكاة ما يكثر فى اليمن من زروع وثمار وأبقار.
ويروى أن معاذا اتجر في المال الذي جمعه، لأنه باع كل ماله فى دين مستغرق كان عليه، وجاء إلى اليمن خاليا من كل عرض من أعراض الدنيا، فتجر وكسب، ولم ينقص من هذا المال شيئا.
(١) التبيع الذى لم يبلغ السنة ويتبع أمه، والمسنة، أو المسن بالغ سنة.