والميراث يكون ثمرة لهذا العلو، ولأن الكفر باطل والإسلام حق يوجب الميراث، ولا يزول الحق لأجل الباطل.
ولكن الجمهور الأعظم قالوا غير ذلك، وحجتهم صريح السنة قولا وعملا، فقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم كما روي في الصحيحين:«لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر» . وقد ثبت عملا، فإن عقيل بن أبى طالب هو الذي ورث دور أبى طالب، ولم يرث منها جعفر، ولا علي، ولا أم هانئ ولا غيرهم من المسلمين عند وفاة أبي طالب، وقال النبى صلى الله عليه وسلم فى فتح مكة المكرمة: ما ترك عقيل من دار، ولا يرث المسلم الكافر.
وخلاصة القول أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل معاذا محاربا، ومعلما، وجامعا للصدقات والجزية وقاضيا في الخصومات، فكان هاديا مهديا.
ويقول الحافظ ابن كثير في ولايته: كان قاضيا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وحاكما في الحروب، ومصدقا إليه تدفع له الصدقات.
وقد ذكرنا ما قاله رسول رسول الله معاذ بن جبل فى اليمن هو وصاحبه عبد الله بن قيس (أبو موسى الأشعرى) ليعرف القارئ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان يرسل الرسل من قبله إلى الجهات النائية على أنها سرايا أحيانا، وعلى أنهم معلمون، وإن لم تذهب عنهم صفة السرايا.
فالدعوة الإسلامية أو تبليغ الرسالة المحمدية هي الأصل، وهي الغاية، فإن لم تقف في سبيلها عقبات، اكتفي، وإن وقفت محاجزات الأمراء والملوك كان الجيش المؤمن مزيلا لهذه المحاجزات حتى يخلو وجه الإسلام للدعوة المحمدية دعوة الله والحق.
ولقد كانت كل بعثة محمدية معها قوة، لأنه يجتاز فيافي وقفارا، والأمن غير مستتب، وقد حدث أن جاء ناس من المشركين يخادعون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وذكروا له أن عندهم من يريد الإسلام فأرسل لهم من يعلمهم، أرسل معهم قراء، فأخذوهم، وباعوهم للمشركين، وآخرون قد قتلوهم، وقد تكرر ذلك، فكان الحذر يوجب على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ألا يرسل قراء وحدهم، بل لا بد من سرية حربية معهم، والله تعالي في عون عباده المخلصين.