ذلك ما قالوه، وما اتفقوا عليه، فقد اتفق الشيعة جميعا على فضل على رضى الله عنه وأنه مقدم على أبى بكر وعمر وإن اختلفوا فى ذلك كثيرا..
ونحن نقرر أن ما ساقوه يدل بلا ريب على فضل على أولا، وعلى محبة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ثانيا، وعلى أنه عليه الصلاة والسلام كان يعهد إليه بأشد المهام وثاقة بالدين ثالثا.
ولكنه لا يدل على أنه أولى بالخلافة من الشيخين رضى الله تعالى عنهما، لأنه إذا كان قد أنابه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى تبليغ سورة براءة، فقد ولى أبا بكر رضى الله عنه ما هو أمس بالإمرة والخلافة وهو إقامة الحج كما اختاره لإقامة الصلاة وهى الإمامة الصغرى وقد يكون ذلك إيذانا له بالإمامه الكبرى كما جرى على ألسنة بعض الصحابة «اختاره لامر ديننا أفلا نختاره لأمر دنيانا» وعلى ذلك لا نجد فى هذا أن يكون على أولى بغيره من الخلافة.
وأما الدليل الثانى وهو أنه قاله فى معرض توضيح السبب فى تركه وعدم الذهاب معه فى غزوة تبوك فهو بيان محبته له ولصحبته، ردا على الإشاعة الكاذبة التى أشاعها المنافقون والمرجفون وهو أنه تركه استثقالا لصحبته، فكان لا بد أن يظهر محبته ومنزلته عنده، وهى اخوته له، كما أن هارون أخو موسى، ولذلك ازدياد فى القول بما يؤكد هذا المعنى، إذ قال عليه الصلاة والسلام: غير أنه لا نبوة بعدى. وإن عليا كان أخا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى المؤاخاة التى عقدها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقد بينا ذلك، وذكرنا صحة الخبر ورددنا على ابن القيم فى موضعه.
وكونه أخاه وأبو بكر صديقه أبلغ ما تكون الصداقة فلا دليل فى هذا أيضا على أنه أحق بالخلافة وفوق ذلك أن الخلافة تحتاج إلى الشورى إذ يقول الله تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ.
فإذا كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قد ذكر أخوة على، وصداقة أبى بكر، وتقديره لعمر، فليس فى ذلك إلزام، مادام أساس الأمر شورى المسلمين.
وأما الدليل الثالث، وهو حديث غدير خم الذى يقول:«من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقد بينا المناسبة التى قيل فيها هذا الحديث، وهو رد الإشاعة الكاذبة، ورد المنافقين أو من عندهم شبهة النفاق، وبيان أنه لا يصح لمؤمن أن يبغض عليا، لأنه إذا كان قد قتل كثيرا فهو فى سبيل الله، وبأمر من الله ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، فمن يبغضه لذلك إنما يريد أن يحط من قدر الجهاد والمجاهدين، وإذا كانت النفس لا تحب من يكون سببا فى إزهاق نفس حبيب فالإيمان يوجب ألا يظهر ذلك فى قول أو عمل، وفوق ذلك فإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان يوافقه فى أحكامه التى حكم بها.