والاستمساك بالتحريم في مناسك الحج، حتي تؤدي كلها من السعي والطواف والوقوف بعرفات ثم بالمزدلفة، ثم الذهاب إلي مني بعد المشعر الحرام، والتمتع فيه رخصة في أحد الأمرين ففيه رخصة التحلل قبل الحج، ثم الإحرام له، والحج بإفراده من غير عمرة معه فيه رخصة من عدم الالتزام بالهدي، فاختار سبحانه وتعالي القران، لأنه لا سهولة فيه أولا، ولأن فيه تعليم العمرة عملا ثانيا، ولأن فيه سوق الهدي من أول الحج، وإشعاره بوضع مزادة فيه، فقد وضع المزادة وشق جانبا من سنام زاملته، كان ذلك كله تعليما، وما كان ليعلم ذلك عمليا لو كان قد أحرم بالحج مفردا، أو أحرم متمتعا، فكان القران فيه كمال التعليم.
ومع أنه صلي الله تعالي عليه وسلم اختار لنفسه القران نسكا فى الحج فقد رخص للناس، من غير بيان أيها أفضل فى أن يختاروا بين الأنساك الثلاثة. القران، أو التمتع، أو الإفراد، ولكنه اشترط في حال القران سوق الهدى، وفى التمتع الهدي يوم النحر.
وقد حدث فى أثناء سير ركب النبي صلي الله تعالى عليه وسلم أن أصاب الحيض أم المؤمنين عائشة، فأمرها بالاستمرار فى حجها علي ألا تدخل المسجد الحرام، وتطوف، وولدت أسماء بنت عميس زوج أبي بكر ولده محمد بن أبى بكر، وقد أمرها أن تغتسل لإحرامها، كما أمر عائشة رضي الله عنها وعن أبيها.
مضي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لحجته، والمسلمون وراءه يتعلمون من عمله، وهو يلبى، كلما تحول من مكان إلي مكان، وكلما علا مرتفعا، أو انخفض في واد.
وقد منع أن يصاد حيوان من الحرم، وأن يؤكل صيد الحرم، لأنه حرام فما يؤدي إليه يكون حراما، ولكن أباح للمحرمين أن يأكلوا صيد غيرهم ممن يكونون في حل.
وفى أثناء سيره، كان يبين العبر فيما مر به من أرض، وبوادى عسفان فقال لصاحبه أبي بكر، يا أبا بكر أي واد هذا؟ قال: وادي عسفان، فقال صلي الله تعالى عليه وسلم. «لقد مر به هود وصالح» .
٧١١- ومن الروايات الراجحة يثبت أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان قارنا جمع بين الحج والعمرة فى إهلال واحد، وقد ساق الهدي وكان ثلاثا وستين بدنة، ولما جاء إليه علي من اليمن أشركه في بدنه. وقد قلد البدنة وأشعرها.
ولكن لم يكن من معه قارنين، بل قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان منهم من كان قارنا كالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ومنهم من أفرد بالحج، ومنهم من تمتع، فقد روي ابن أبى شيبة أن عائشة رضي الله عنها قالت: «خرجنا مع رسول الله صلي الله تعالى عليه وسلم، للحج علي ثلاثة