للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنواع، فمنا من أهل بعمرة وحجة، ومنا من أهل بحج مفرد، ومنا من أهل بعمرة مفردة، فمن كان أهل بحج وعمرة معا، لم يحلل من شئ مما حرم منه، حتي يقضي مناسك الحج، ومن أهل بعمرة مفردة فطاف بالبيت، وبالصفا والمروة حل ما حرم منه، حتي يستقبل حجا. وإن هذا يدل علي أمرين:

أحدهما: أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان قارنا، ولم يدع الناس جميعا إلي القران، لأنه ربما يكون فيهم من لا يستطيع الهدي، ومن لا يحتمل تحريم محرمات الحج مدة طويلة، فأجاز لهم التمتع والقران والإفراد، وبين لهم ما يلزم كل نوع من هذه النسك، ولم ينه عن واحد منها، بل لم يبين أفضلها، وإن كان الأفضل يعرف من اختيار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لا من قوله، وربما يفهم من التخيير من غير مفاضلة المساواة فيها.

وإن الحق أن كلا له فضله في حاله، ففي حال الضعف، أو عدم القدرة علي الهدي يكون الأيسر، هو الأفضل، لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يختار الأيسر، فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما.

وقد رأي عمر وعثمان رضي الله عنه قد تبعه أن يكون الإفراد أولي، حتي لا يخلو البيت الحرام من قاصديه طول العام، لأنه إذا شاع اجتماع العمرة والحج في أشهر الحج، ما قصد البيت في أثناء العام، وعمر يريد ألا يخلو البيت طول العام من قاصديه.

ولقد تبع ذلك عثمان رضي الله عنه، لأنه قد تعهد عند مبايعته أن يعمل بكتاب الله تعالي وسنة رسوله صلي الله تعالي عليه وسلم، وسنة الشيخين أبي بكر وعمر، واختيار الإفراد في الحج كان من سنة عمر رضي الله عنه، ولم يقره علي ذلك كثير من الصحابة كسعد بن أبي وقاص وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن عباس، وعائشة رضي الله تعالي عنها.

وقد روي أبو داود والإمام أحمد أن معاوية قال وكان في ملأ من أصحاب رسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهي عن جلود النمور أن يركب عليها؟ قالوا اللهم نعم، قال: وتعلمون أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نهي عن لباس الذهب إلا مقطعا، قالوا: اللهم نعم، قال أتعلمون أنه نهي عن الشرب فى أواني الذهب والفضة؟ قالوا اللهم نعم، قال: «وتعلمون أنه نهى عن المتعة (أي الجمع بين العمرة والحج) قالوا اللهم لا» . «قال فوالله إنها لمعهن» .

وإن هذا يدل على أن معاوية اتبع ما سار عليه عثمان اتباعا لعمر، للمقصد الاجتماعي الذي رآه، ولعل معاوية ظن، أو أراد أن يوهم أن عمله وعمل ذي النورين عثمان لنهي النبي صلى الله تعالى عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>