أيها الناس، إنما النسيء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما، ويحرمونه عاما، ليواطئوا عدة ما حرم الله، فيحلوا ما حرم الله، ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا فى كتاب الله منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان.
أما بعد أيها الناس، فإن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا، لكم عليهن ألا يوطئن «١» فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن فى المضاجع، وتضربوهن ضربا غير مبرح فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان، لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، فاعقلوا أيها الناس قولى، فإنى قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن استعصمتم به، فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه.
أيها الناس اسمعوا قولى واعقلوه تعلمن أن المسلم أخو المسلم، وإن المسلمين إخوة، فلا يحل لامريء من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم. اللهم هل بلغت.
ويقول ابن إسحاق:«ذكر لى أن الناس قالوا: اللهم نعم.. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اللهم اشهد» .
وهنا ننبه إلى أمرين آخرين يتعلقان بالخطبة.
أولهما: أن الجمع كان حاشدا، والخلق كانوا مزدحمين ازدحاما لم يكن له مثيل من قبل، فقد جاء الناس من كل فج من الجزيرة العربية ليسعدوا بصحبة الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فى حجته.
ولذلك لم يكن من الممكن أن يسمع الناس جميعا صوت النبى صلى الله عليه وسلم، وهو يتكلم، فكان بجواره صارخ يصرخ للناس بما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن إسحاق:
كان الرجل الذى يصرخ فى الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ربيعة بن أمية بن خلف يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«قل يا أيها الناس، إن رسول الله يقول: هل تدرون أى شهر هذا فيقولون الشهر الحرام..» .