وهكذا كان ذلك الصارخ ينطق بما قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، ليسمع القاصى والدانى، والقريب والبعيد من حضرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ثانيهما: إنه روى عن بعض الثقات زيادة عما روينا من الخطبة الجامعة وزيادة الثقة مقبولة ومن الزيادات التى رويت قول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وذلك قوله صلى الله تعالى عليه وسلم:
أيها الناس، إن الله قد أدى لكل ذى حق حقه، وإنه لا يجوز وصية لوارث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، فمن ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
٧١٣- بعد أن وقف بعرفات وألقى خطبته الجامعة، لما غربت الشمس، واستحكم غروبها، كما قال ابن القيم، بحيث ذهبت الصفرة- اتجه إلى المزدلفة فأفاض من عرفة إليها، وأردف إليه على ناقته أسامة بن زيد، وهو يقول:«أيها الناس عليكم بالسكينة، فإن البر ليس بالإيضاع «١» ، ثم جعل يسير العنق وكان فى مسيره هذا لا ينقطع عن التلبية كلما علا، أو انحدر» .
وقد صلى المغرب والعشاء فى وقت العشاء فجمع بينهما جمع تأخير، بأذان واحد، وإقامتين.
ثم سار من بعد ذلك إلى منى بعد أن نام، ولما اتجه إلى منى أمر من معه ألا يرموا الجمار إلا بعد طلوع الشمس.
وقد رمى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الجمار ثم نحر، ثم تحلل من الإحرام، وقد كان معه بدن كثيرة، نحر بيده منها ثلاثا وستين فى النحر بمنى، ثم نحر على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه الباقى، وأمره أن يتصدق بلحومها وجلودها فى المساكين.
وقد ذكر ابن القيم أنه خطب فى منى خطبة عظيمة بليغة، وكل كلامه عليه الصلاة والسلام بليغ، وقال ابن القيم فى هذه الخطبة، أعلمهم فيها بحرمة يوم النحر، وفضله عند الله تعالى، وحرمة مكة المكرمة على جميع البلاد وأمر بالسمع والطاعة، لمن قادهم بكتاب الله تعالى، وأمر الناس أن يأخذوا مناسكهم عنه، وقال: لعلى لا أحج بعد عامى هذا، وعلمهم مناسكهم، وأنزل المهاجرين والأنصار منازلهم، وأمر الناس ألا يرجعوا بعده كفارا يضرب بعضهم رقاب بعض، وأمرهم بالتبليغ عنه وأخبر أنه رب مبلغ أوعى من سامع، وقال فى خطبته: لا يجنى جان إلا على نفسه، وأنزل المهاجرين عن يمين القبلة والأنصار عن يسارها، والناس حولهم، وفتح الله تعالى أسماع الناس حتى سمعها أهل منى فى منازلهم.
(١) أى ليس بالإسراع، وهو المسير بين الإسراع والإبطاء.