ثانيا: على أن الله تعالى اقتضت حكمته أن يؤكد إبطال ذلك الحكم الجاهلى الذى يدخل فى الأسرة بحكم النسب من ليس منها، فلا تتعاطف بحكم الفطرة، وتفسد الأسر، واقتضت حكمته أن يكون تأكيد الإبطال بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يتزوج زوجة دعيه، وقد فسدت العلاقات بينهما بتململ القرشية من أن تكون تحت غير قرشى هو عتيق وليس ابنه، فاستكبرت، وتململ زيد من كبريائها فأراد تطليقها، فقال له الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أمسك عليك زوجك، وهو يعلم أن الله كتب أن يطلقها، وكتب على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتزوجها، ولكنه يخفى فى نفسه ما لا يبديه من أن الله تعالى كتب الطلاق من زيد، وللزواج منه صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه يخشى أن يجابه العرب، بمخالفة ما ألفوا.
ولقد أمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يتزوجها بعد الطلاق لكيلا يكون على المؤمنين حرج فى أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم وطرا. كما دلت الآيات:
ثالثا: على أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم لم يكن أبا لأحد من رجال العرب، إن انتفت أبوة الأدعياء، هذا ما تدل عليه الآيات الكريمات بظاهرها، ومقصدها ومرماها.
ولكن الذين يفسدون المعانى، ويريدون الكيد للإسلام اخترعوا هذا اختراعا فى العهد الأموى، اخترعها يوحنا الدمشقى ونشرها بين المسلمين ليقولها أتباعه، وينشروها بين بعض التابعين، وقد توهم صدقها بعض الذين تبهرهم الروايات من غير تمحيص، ومع الأسف كان من بين هؤلاء أبو جعفر بن جرير فنقلها مصدقا لها، ونقلها أكثر المفسرين عنه، حتى بين كذبها وافتراءها ابن كثير فى كتابه تفسير القرآن العظيم، رضى الله تعالى عنه، وعفا الله عن الطبرى فى أن نشر ذلك الضلال، وإن نقل الكذب لا يحوله إلى صدق، ولو كان الطبرى ناقله.
ومن الغريب أن حملوا الآية الفرية التى افتروها، وكان المتعصبون من غير المسلمين هم الذين ادعوها، لقد ادعوا أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم رآها تغتسل، فوقع فى قلبه حبها، فأراد من زيد أن يطلقها ليتزوجها، وادعوا أن ذلك هو ما أخفاه، وخشى من الناس، وأن الله أبداه، وإن ذلك لا يمكن أن ينطبق بحال من الأحوال على معانى الآية وظواهرها، إلا أن يكون ذلك اختراعا اخترعوه، ويدل على مناهضة الآية لهذه المعانى الفاسدة ما يأتى:
أولا: أن الزواج منها لم يكن كما تدل الآية برغبة من النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى تكون الشهوة هى المحركة، بل إن الزواج كان بأمر الله تعالى وذلك بنص الآية بقوله تعالى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.