ولأن الله تعالى نسب التزويج إلى ذاته العلية، بأن الله تعالى هو الذى قال: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها وذكر سبحانه وتعالى السبب فى هذا الزواج الذى فرضه الله تعالى وتولى تعالى عقده ليس الشهوة، وإنما هو ألا يكون على المؤمنين حرج فى أن يتزوجوا أزواج الذين يتبنونهم وليس شهوة، ولا ما يشبهها.
والخشية التى خشيها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم هى مجابهة ما عليه الجاهلية، فعاتبه سبحانه وتعالى على هذه الخشية بأن الله تعالى أحق بأن يخشاه فيطيع أوامره.
وثانيا: أن الله تعالى قال: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ فيقولون هو العشق الذى أخفاه، والآية تناقض ذلك، لأن الله تعالى ما أبدى عشقا، ولكن أبدى الأمر بالزواج، فكان هو الذى أخفاه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم على زيد، وقال: أمسك عليك زوجك واتق الله.
وثالثا: أن الآية الكريمة تدل بنصها ومغزاها على أن موضوعها منع أن يكون المتبنى ابنا، ولذلك أمر الله تعالى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يتزوج امرأة دعيه، ليكون بيانا للشرع عمليا، كما بينه النص القرآنى، قولا مفروضا بالمنع المؤكد.
ولذلك أكد سبحانه وتعالى النفى بقوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ، وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ هذا هو المعنى الجلى من غير تلبيس كذاب، ولا اتباع متوهم.
وكنا نود أن يدرك المفسرون، والذين يتكلمون فى معانى القرآن الكريم، وأخبار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم حقيقة هذه الفرية، ومصدرها، الذى أراد إفشاءها كيدا للمسلمين بعد أن بين ابن كثير الحافظ للسنة، كذب هذه الرواية، ورد كلام ابن جرير ردا قويا.
وكنا نود أن يتعرف الذين يكذبون الآن فى السيرة ذلك، وكنا نحسب أن لهم ذوقا بيانيا، وعمقا فى دلالات الألفاظ ومراميها، كنا نود منهم أن يمحصوا القول ويدركوه، ولكن غلبت النزعة الروائية التى نسمع أمثالها منسوبا إليهم، فكتبوا فيما تصدوا له من كلام فى السيرة عنوانا يقول: النبى العاشق، وقد كتبوا تحت العنوان تلك الفرية المفتراة على أنها وقائع وقعت، وكأنها قصة من الروايات التى كتبوها.
وتبعهم من يقلدونهم من غير أن يفرقوا بين حق وباطل، ولا أقول عفا الله عنهم، لأن أقوالهم لا تزال تردد منسوبة إليهم، ولهم فى المجتمع الأدبى مكانة، جزاهم الله تعالى بمقدارها.