المعول، وقال: أتقدمكم، وهو يقول: اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم ناحية من الركنين (الركن الأسود والركن اليمانى) وهما حصة بنى مخزوم، ومع ذلك لم يتقدم كل ذى حصة من حصته ليهدمها.
أصبح الوليد معتزما من غداته متمما ما بدأ بمعوله، فأخذ يهدم الناس معه، كل يهدم ما فى حصته، وأخذوا يهدمون، حتى رأوا أساس البناء الذى وضعه خليل الله عليه الصلاة والسلام.
ومن مقتضى الفطرة التى لم يأت بها رسول أن تجرى أوهام كثيرة، وأن تروى أخبار حول هذه الأوهام، وإنا نضرب عن كل ذلك صفحا.
١٢٣- وإنهم قد أخذوا من بعد ذلك فى إقامته، ويظهر أنه قد عاونهم فى الرسم والبناء رجل قبطى اسمه باقوم، فهو الذى وضع هندسة البناء، وكان مولى لبنى أمية.
وقد قام كل فريق بحصته فى البناء، وقد اشترك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان زميلا فى العمل لعمه العباس بن عبد المطلب، وقد روى الشيخان (البخارى ومسلم) فى ذلك عن جابر أنه لما بنيت ذهب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، والعباس ينقلان الحجارة، فقال العباس للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم:«اجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة ففعل فخر إلى الأرض، وطمحت عينه إلى السماء، ثم أفاق، فقال إزارى إزارى، فشد عليه إزاره، فما رؤى بعد ذلك عريانا» .
هذا حديث صحيح، روى عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم سقناه لبيان أن محمدا عليه الصلاة والسلام اشترك فى أشرف عمل قامت له قريش، وهو فى شرخ الشباب، وحمل الحجارة، وأنه لم يأخذه الترف قط، وأنه لم يفكه فى نعيم المال، فكانت حياته حياة الأقوياء، وإن الخبر يدل على أن الله تعالى كان يرعاه، وقد رباه على عينه، فلما أخذ بنصيحة عمه العباس، ووضع بعض ثوبه على رقبته انكشف بعض عورته، فطمحت عينه إلى السماء وأصابته غشية اتصال بالملأ الأعلى، وسترت عورته، فقد كان فى حراسة الله سبحانه وتعالى، وحياطته.
ولا نرد الخبر لما فيه من غرابة، فقد رواه الشيخان البخارى ومسلم بسند صحيح، وما يروى بسند صحيح لا يرد لمجرد غرابته على الحس والأسباب والمسببات، إنما يرد لوجود دليل يثبت أن ذلك مستحيل، والأمر فى قدرة الله سبحانه وتعالى خالق الأسباب والمسببات، ومانح كل ما فى الوجود نعمة الوجود.