للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء فى كتاب البداية والنهاية لابن كثير ما نصه:

اختلف العلماء فى تعبده عليه الصلاة والسلام قبل البعثة، هل كان على شرع أم لا، وما ذلك الشرع، فقيل شرع نوح، وقيل شرع إبراهيم، وهو الأقوى، وقيل موسي، وقيل كل ما ثبت أنه شرع عنده اتبعه وعمل به «١» .

هذا ما قاله ابن كثير، وقبل أن نأخذه مأخذ التسليم مع تردد الأقوال بين نوح وإبراهيم وموسى ننبه إلى أمرين من الضرورى التنبيه إليهما فى هذا المقام.

أولهما- أن الثابت من سيرة النبى عليه الصلاة والسلام ومن تقرير القران أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، وأنه لم يكن على علم بكتب الديانات القديمة، فلم يعرف التوراة، ولا الإنجيل، وإن كانت فيهما بشارات برسول يأتى من بعدهما اسمه أحمد، ولم يكن بمكة المكرمة التى كانت محل إقامته مدارس للاهوت الموسوى أو المسيحيي.

ولما ذكر القران أخبار اليهود والأنبياء السابقين قالوا يعلمه بشر هو شخص رومي، فرد الله تعالى عليهم بقوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ، وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ «٢» . وبذلك يثبت أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن على علم بالشرائع السابقة، وذلك هو الحق، وهو يتفق مع إعجاز القران فى أنه أتى بالصادق من أخبار السابقين بوحى من الله تعالي، إذ لم يكن عنده علم بها.

ثانيهما- أنه كان بمكة المكرمة نفر قليل أنكروا عبادة الأوثان، ولم يعبدوها، وسموا حنفاء، وقالوا إنهم كانوا يتعبدون على بقايا من ديانة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولذلك سموا حنفاء.

وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتحنف فى غار حراء- بدل يتحنث- وإنا نسوق ذلك لبيان أنه كانت هناك بقايا من ديانة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد بقى منها بيقين بقية فى الحج وبقاء جزء قد ينبيء عن إمكان تعرف ما جهل.

وإنا لذلك نقرر أنه عرفت عقيدة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وربما تعرفت بعض الشرائع التفصيلية عنده من أركان الصلاة ونحوها. وإنا مع تقديرنا لهذا نرجح أن عبادة النبى عليه الصلاة والسلام كانت بإلهام من الله تعالى من غير وحى، وقد كان دائم التفكير دائم الخشوع دائم التأمل فى الكون، فهو ابتدأ العبادة الفكرية، وربما عرف بعضا من صلاة إبراهيم. كما عرفت بعض مناسكه.


(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٦.
(٢) سورة النحل: ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>