كل شيء فى الوجود يذكره بالله، فكلما رأى الخلق كان منه ما يدل على الخالق. كلما رأى النعم فى الوجود تذكر الخالق.
ولقد دعا بعد بعثته إلى التفكير فى الله تعالي، فكان يقول «تفكروا فى الاء الله أى فى نعمه» وحكى عن ربه أنه قال: «كنت كنزا مخفيا، فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق. فبى عرفونى»
ولقد كان محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام يعلن أن التفكير فى الله والائه وخلقه أساس العبادة، وأنه لا عبادة من غير معرفة الله سبحانه وتعالي، ولقد قال على بن أبى طالب صفى رسول الله، وحبيبه المجتبى: «سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن سنته (أى طريقته) فقال: المعرفة رأس مالى. والحب أساسي، والشوق مركبي، وذكر الله أنيسي، والثقة بالله كنزي، والحزن رفيقي، والعلم سلاحي، والصبر ردائي، والرضا غنيمتي، والعجز فخري، والزهد حرفتي، واليقين قوتي، والصدق شفيعي، والطاعة حسبي، والجهاد خلتي، وقرة عينى فى الصلاة» ورويت زيادة، وهى:«وثمرة فؤادى فى ذكره، وعملى لأجل أمتى، وشوقى إلى ربى عز وجل»«١» .
١٤٦- قد كان من أحوال محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم الاعتزال إلا فى مكرمة تؤثر، أو صلة رحم، أو إغاثة ملهوف، أو تحمل للكل. فعندئذ يتصل بالناس لينفعهم، ويتقرب منهم، ولا ينقطع حتى وهو فى عزلته، لأنه ما جاء إلا لخيرهم، فهى عزلة يسكن فيها إلى الله تعالى خالق الناس.
وكلما كانت تتقدم به السن تزداد عزلته، ويزداد تفكيره فى إرضاء الله تعالي، وتعرف صفاته، والوصول إلى عمل ما يرضيه، ويرى فيه ما تقر به عينه، وتطمئن إليه نفسه، ولا يريد غير الله.
وقد صارت العزلة خلوة يخلو فيها للعبادة، فقد ذكر الرواة أنه كان يتحنث (أى يتعبد) فى غار حراء، الليالى ذوات العدد، واستمر يزداد فى الخلوة والعبادة، وقال الرواة كان يتعبد شهرا كل عام، حتى كانت البعثة وهو فى خلوته فى غار حراء.
وكان عليه الصلاة والسلام يتزود لذلك، ويمكث فيه الشهر للعبادة، وذكر الله تعالى وقد تكلم العلماء فى المنهاج الذى كان عليه الصلاة والسلام يتبعه فى عبادته، أكان على شريعة من الشرائع السماوية السابقة.