للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واليهود فى المدينة كانوا يذكرون ذلك متحدين به الوثنيين الذين يجاورونهم، وكانوا يستفتحون به المشركين، زاعمين أنه سينصره عليهم، ويؤيد دينهم الذى يذكرون ذلك اخذيه من إشارات كتبهم. التى كانت مفسرة عندهم، حتى صارت علما توارثوه عن أسلافهم، وهو فى مطوى التركة التى أخذوها عنهم، مع أن اليهود عرفوا بأنهم يكتمون ما أنزل الله تعالى عليهم ليكون العلم حكرا عليهم، ويمكنهم من أن يكذبوا على الناس مدعين أنهم أبناء الله تعالى وأحباؤه، مع هذا يتناثر من أقوالهم ما يدل على أن نبيا من أبناء عمهم إسماعيل عليه السلام سيبعث.

وإذا كانت الأثرة هى التى حملتهم على كتمان ما أنزل الله تعالى عن غيرهم، فالأثرة أيضا هى التى حملتهم على التحدث بخبر النبى المنتظر المكتوب عندهم فى التوراة، لأنهم كانوا فى حرب مع الأوس والخزرج الذين يجاورونهم، فكانوا يذكرون أمر النبى لهم لا ليعلنوا الحقائق، ولكن ليتغلبوا عليهم بما يسمى فى عصرنا الحرب النفسية التى تقارن الحرب المادية، لينالوا الفوز والغلب، وليتم لهم التعالى عليهم، وإعلان الاستهانة بهم ولإنذارهم بأن المستقبل معهم، وفى ذلك إلقاء بالرعب.

وقد حكى القران الكريم عنهم ذكرهم لمن كانوا يجاورونهم أمر النبى المنتظر، فقال الله تعالى:

وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ. بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ، فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ، وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ «١» .

ولقد كانت نجران مملوءة بالنصارى ويظهر أنهم لم يكونوا كنصارى أوربا فى الماضى أو الحاضر، بل كانت فيهم بقية من نصرانية المسيح، ولقد كانوا بعد البعث المحمدى أقرب إلى المسلمين من اليهود والمشركين، فقد قال تعالى فيهم: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى، ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، يَقُولُونَ: رَبَّنا آمَنَّا، فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ. وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ، وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ «٢» .

كان ينبعث من بين هؤلاء صوت قوى يخبر بأن نبيا قد ان أوانه، والناس يعيشون فى زمانه، ويظهر أنهم كانوا من بقايا المواحدين الذين لم يثلثوا، فإنه على تعاقب الأزمان كان ثمة مواحدون، وإن كانوا


(١) سورة البقرة: ٨٩، ٩٠.
(٢) سورة المائدة: ٨٢- ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>