للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتناقصون قرنا بعد قرن، إن عبارات القران الكريم تنبيء عن ذلك فى قصة النصارى الذين حكم سبحانه بأنهم أقرب الناس مودة للذين آمنوا بجوار العداوة المستحكمة التى أعلنها المشركون، واليهود الذين كانوا أعداء للناس جميعا.

وإنه ليروى التاريخ فى أخباره المتضافرة، والسيرة الطيبة الطاهرة، أنه لما كان اضطهاد المشركين للمؤمنين عقب مجاهرة النبى عليه الصلاة والسلام بدعوة الحق كانت الهجرة إلى الحبشة. وقد لقى المسلمون ترحابا وإكراما من ملكها.

ولقد ثبت أن النجاشى ملك الحبشة كان مواحدا، وأنه يرى فى عيسى ابن مريم وأمه، ما نص عليه القران الكريم، وأنهما لم يكونا إلهين من دون الله.

١٨٠- ولقد سرت فكرة التنبؤ برسول قريب زمانه إلى قريش وما حول مكة المكرمة، ولقد وجد أربعة من قريش أنكروا تأثير الأوثان بالنفع والضرر، واستنكروا عبادتها وثبت أن هؤلاء الأربعة، منهم ورقة بن نوفل وعبد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل.

وقد خلصوا نجيا من عبادة الأوثان، وقد قال بعضهم لبعض: «تعلموا والله، ما قومكم على شيء. لقد أخطأوا دين إبراهيم، ما حجر نطيف به، لا يسمع ولا يبصر، ولا يضر ولا ينفع، يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا، فإنكم والله ما أنتم على شيء» .

وقد دخل المسيحية اثنان منهم هما ورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث، وقد قصد إلى قيصر فتنصر، وكانت له منزلة حسنة عنده.

وأما عبد الله بن جحش، فقد بقى محيرا ملتبسا عليه، حتى جاء الإسلام.

وزيد بن عمرو بن نفيل برم بمكة المكرمة وأهلها، وأخذ يتنقل فى بلاد العرب متعرفا دين إبراهيم، وأخيرا أخذ ينتظر النبى كما أخبره بعض النصارى، وفى سيرة ابن هشام ما نصه:

«خرج (أى زيد بن عمرو) يطلب دين إبراهيم عليه السلام، ويسأل الرهبان والأحبار حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها، ثم أقبل فجال الشام كله حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء «١» كان ينتهى إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون، فسأل عن الحنيفية، دين إبراهيم، فقال إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، ولكن قد أظل زمان نبى يخرج من بلادك التى خرجت منها يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، فالحق بها، فإنه مبعوث الان، هذا زمانه، وقد كان شام اليهودية والنصرانية، فلم يرض شيئا منهما، فخرج سريعا حين قال له الراهب ما قال يريد مكة المكرمة، حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه.


(١) الميفعة: المرتفع من الأرض، والبلقاء كورة بجوار دمشق.

<<  <  ج: ص:  >  >>