للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رثاه رفيقه ورقة بن نوفل «١» بقصيدة جاء فيها:

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا

بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغى كما هيا

وإدراكك الدين الحنيف، طلبته ... ولم تك عن توحيد ربك ساهيا

فأصبحت فى دار كريم مقامها ... تعلل فيها بالكرامة لاهيا

هذا بعض رثاء ورقة بن نوفل فى القصيدة المنسوبة إليه فى أصح الروايات، وهى تدل على أن ورقة وصاحبه كانا مع إنكار هما للوثنية يؤمنان بالبعث ويوم القيامة.

١٨١- وإن ورقة بعد أن دخل فى النصرانية، وعلم علمها، وأسرار كتبها، ودرس الأديان، ووازن بين حقائقها كان يعرف أن الزمان الذى كان يعيش فيه هو زمن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، بل إنه حكم بأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو النبى المنتظر، واستبطأ ظهوره.

وقد روى فى ذلك ابن إسحاق أن خديجة بنت خويلد ذكرت لورقة بن نوفل الذى كان نصرانيا وكان قد تتبع الكتب، وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب نسطورا الذى ذكر أن أوصاف النبى عليه الصلاة والسلام تبين أنه تبين أنه النبى المنتظر، فقال لها ورقة: لئن كان هذا حقا يا خديجة إن محمدا صلى الله عليه وسلم لنبى هذه الأمة، وقد عرفت أنه كان لهذه الأمة نبى ينتظر هذا زمانه، فجعل ورقة يستبطىء الأمر، ويقول: حتى متى؟

وقد قال فى ذلك قصيدة جاء فيها:

لججت وكنت فى الذكرى لجوجا ... لهم طالما ما بعث النشيجا

ووصف من خديجة بعد وصف ... فقد طال انتظارى يا خديجا

سطن المكتين على رجائى ... حديثك أن أرى منه خروجا

ويظهر فى البلاد ضياء نور ... يقوم به البرية أن تموجا

فيلقى من يحاربه خسارا ... ويلقى من يسالمه فلوجا

فيا ليتنى اذ ما كان ذاكم ... شهدت وكنت أولهم ولوجا

«٢»

هذا كلام ورقة عندما خبرته ابنة عمه خديجة عن حال محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان ذلك عقب إخبار ميسرة غلامها عندما صاحبه فى رحلته إلى الشام فى التجارة فى


(١) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٣٢.
(٢) البداية والنهاية ح ٢ ص، ٢٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>