ويستمر سلمان فى قصته، فيذكر أنه أصابته رعدة حماسة للذهاب إلى قباء حيث سمع أن المجتمعين بقباء فيهم من يقول أنه نبى، وقد بين له أسقف عمورية أن مهاجر النبى المنتظر سيكون بهذه الأرض، فأخذ الأهبة، وذهب إلى قباء ومعه مال قليل، وهنا يلتقى العيان بالخبر، لقد أخبر فى غيبة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام أنه نبى وسلك الفيافى والقفار ليلقاه وهو يعلم بنبئه، وجرى الحديث بينهما. يختبر به حاله، لقد رأى المكان، كما أخبر الأسقف، ولم يبق إلا أن يختبر، لقد قيل أنه يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة، وأن بين كتفيه خاتما.
عند اللقاء قال سلمان:«إنه قد بلغنى أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندى للصدقة، فرأيتكم أحق بها من غيركم» .
لم يأكل منها النبى صلى الله عليه وسلم، وقال لأصحابه، كلوا وأمسك يده «وبهذا تبين الوصف الذى علمه من قبل، وقال سلمان فى نفسه: هذا واحدة» فأراد أن يختبر أيقبل الهدية ليتكامل الوصف.
جمع شيئا مما يهدى، وتحول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينة، وجاءه، وقال له:
«إنى قد رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها» فأكل منها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وأكل معه أصحابه.
قال سلمان فى نفسه: هذه الثانية.
وسلمان علم من وصف أسقف عمورية، أن بين كتفى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خاتم النبوة، فأراد أن يعرفه ولم يبق إلا ذلك ليستوثق من تحقق الخبر مع الخبر.
يقول رضى الله عنه:«سلمت عليه أى على الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذى وصف لى صاحبى، فلما رانى رسول الله عليه الصلاة والسلام استدبرته عرف أنى أستثبت من شيء، وصف لى، فألقى رداءه عن ظهره. فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأقبلت عليه أقبله، وأبكى، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: تحول، فتحولت، فجلست بين يديه»«١» .
كان سلمان فى الرق، فشغله عن أن يلازم النبى عليه الصلاة والسلام، حتى أنه لم يستطع أن يحضر غزوة بدر، وأشار عليه النبى من بعد بأن يعقد عقد مكاتبة مع مالك رقبته، أى يتعهد له بمال أو بمنفعة يقدمها فى نظير عتقه، ففعل، وعاونه الصحابة فى تنفيذ عقده، وصار من بعد حرا.
١٨٣- سقنا ذلك الخبر بعد اختصاره، وهو مع الاختصار طويل، سقناه لأمرين.