فأتته عماته يعدنه، فقال: ما اشتكيت شيئا، ولكن الله أمرنى أن أنذر عشيرتى، فقلن له: فادعهم ولا تدع أبا لهب فيهم، فإنه غير مجيبك.
فدعاهم ومعهم نفر من بنى المطلب بن عبد مناف، فكانوا خمسة وأربعين.
فبادرهم أبو لهب فقال: هؤلاء عمومتك، وبنو عمك، فتكلم ودع الصبأة، واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأنا أحق من أخذك فحبسك، وإن أقمت على ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن يثب بك بطون قريش وتمدهم العرب، فما رأيت أحدا جاء على بنى أبيه بشر مما جئتهم به.
فسكت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولم يتكلم فى هذا المجلس، وإن هذا من حكمة البيان، فقد بادر أبو لهب بخلق جو عنيف من الاعتراض الشديد، والإنذار والوعيد، وبذلك يشجع كل معارض، ولو كان فى الأصل مترددا، فزال التردد إلى حال معترضة، ولذا أجل قوله إلى مجلس اخر، حتى يزول غبار الاعتراض الذى أثاره أبو لهب.
ويقول ابن الاثير: دعاهم مرة ثانية، ووقف فقال:
«الحمد لله أحمده وأستعينه، وأثق به، وأتوكل عليه، وأشهد ألاإله إلا الله واحده لا شريك له» ثم قال: «إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذى لا إله إلا هو إنى لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنها للجنة أبدا، أو للنار أبدا» .
وفى هذه المرة لم يبادر أبو لهب، بل بادر أبو طالب حبيب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإن لم يتبع، فقال غير موافق، ولكن يعاون، وغير متبع ولكن من غير معاداة.
قال أبو طالب: «ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك وأشد تصديقا لحديثك!!، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون، وإنما أنا أحدهم، غير أنى أسرعهم إلى ما تحب فامض لما أمرت به، فو الله لا أزال أحوطك وأنفعك، غير أن نفسى لا تطاوعنى على فراق دين عبد المطلب.
ولم يسكت أبو لهب، (والباطل لجوج دائما) بل قال: هذه والله السوءة خذوا على يديه قبل أن يأخذه غيركم.