ومن هنا يستفاد أن عمر رضى الله عنه كلما رأى فريقا من قومه يخرج فارا بدينه من ظلمهم يناله ألم، والعدالة فى طبعه، وإن كان التعصب لما عليه اباؤه وأجداده فى جنب منه.
ويظهر أن ذلك الألم من خروج بعض قومه مقهورين لم يمنعه من إنزال بعض الأذى لمن يعلم إسلامه من أهل بيته وذوى قرابته، ولقد هزته أخرى ففتحت قلبه للإسلام؟
وخلاصته أن فاطمة بنت الخطاب أخته قد أسلمت هى وزوجها، وأخفيا إسلامهما خشية بطشه، وبطش ذوى قرباهما، وقد أسلم أيضا نعيم بن عبد الله، وكان ثلاثتهم يستخفون، ويتلون القران الكريم فى منزل سعيد بن زيد زوج فاطمة، وكان خباب بن الأرت يجئ إليها ويقرئها القران الكريم فخرج عمر متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورهطا من أصحابه، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء، فلقيه بعض قريش، فقال له أين تريد يا عمر؟ فقال له: أريد محمدا هذا الصابيء الذى فرق أمر قريش، وسفه أحلامها، وعاب دينها، وسب الهتها فأقتله، فقال له: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر، أترى بنى عبد مناف تاركيك تمشى على الأرض وقد قتلت محمدا؟ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم. قال: وأى أهل بيتى، قال ختنك ابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو، وأختك فاطمة بنت الخطاب، فقد والله تابعا محمدا على دينه، فعليك بهما.
ولا تناقض بين هذين الخبرين، خبر أم عبد الله، لأنه عندما رق للذين يهاجرون لم يكن رقة رغبة للإسلام، ولكن كان ألما لفراق قومه، وسولت له نفسه غير المؤمنة، بأن محمدا صلى الله عليه وسلم سبب ذلك الفراق، وكان يتنازعه حال من الإيمان، ووسوسة من الكفر.
ذهب عمر إلى أخته، وكان يستخفى فى بيتها ثلاثة: صاحبها الذى امن وزوجها، وخباب يعلّم الجميع القران الكريم، ومعه صحيفة فيها سورة طه، فلما سمعوا صوت عمر، تغيب خباب فى مخدع لهم، أو فى بعض البيت، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة، فجعلتها تحت فخذها، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما، فلما دخل قال ما هذه الهيمنة التى سمعت؟ قالا له:
ما سمعت شيئا، قال بلى والله لقد أخبرت أنكما اتبعتما محمدا على دينه، وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها، فضربها، فشجها، فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه: نعم قد أسلمنا، وامنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك. فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع، فارعوى وقال لأخته: أعطينى هذه الصحيفة التى سمعتكم تقرأونها انفا أنظر ما هذا الذى جاء به