محمد. وكان عمر كاتبا. فلما قال ذلك قالت له أخته: إنا نخشاك عليها!! قال: لا تخافى، وحلف بالهته ليردنها إذا قرأها. فلما قال ذلك طمعت أخته فى إسلامه، فقالت له يا أخى إنك نجس على شركك، وإنه لا يمسها إلا الطاهر، فقام عمر فاغتسل فأعطته الصحيفة فقرأها، فلما قرأ منها صدرا قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، فلما سمع ذلك خباب خرج إليه، فقال له: يا عمر، والله إنى لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم، فإنى سمعته أمس، وهو يقول: اللهم أيد الإسلام بأبى الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب، فالله الله يا عمر ... فقال عمر عند ذلك: فدلنى يا خباب على محمد صلّى الله عليه وسلّم حتى اتيه فأسلم. فقال له خباب: هو فى بيت عند الصفا فى نفر من أصحابه.
فأخذ عمر سيفه فتوشحه، ثم ذهب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه معه فضرب عليهم الباب، فلما سمعوا صوته قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فنظر من خلل الباب، فراه متوشحا سيفه، فرجع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وهو فزع، فقال يا رسول الله هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف.
فقال حمزة بن عبد المطلب: فائذن له، فإن كان يريد خيرا بذلناه له، وإن كان يريد شرا قتلناه بسيفه، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ائذن له، فأذن له الرجل، ونهض إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، حتى لقيه فى الحجرة، فأخذ حجزته أو بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذه شديدة وقال: ما جاء بك يابن الخطاب، فو الله ما أدرى حتى ينزل الله بك قارعة.
فقال عمر: يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله، وبما جاء من عند الله، فكبر رسول الله تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن عمر قد أسلم.
وإنك لترى أن عمر بن الخطاب جاء إسلامه من نبع قلب يؤمن بالعدل، ويؤمن بالرحم، وإن كان قد غشاهما غشاء من مألوف الجاهلية وما كان عليه قومه، دفعته عصبيته قبل أن يدرك الإسلام لأن يناويء محمد بن عبد الله، إذ أنه توهم أن ذلك يفرق كلمتهم، ويذهب بمكانتهم عند العرب، وهو فى هذا مخطيء، فتفرق بسبب نور الحق بين مؤمن وكافر خير من إجماع على باطل، وذلك ما خفى على عمر ابتداء، وأشفق على الذين يخرجون من أرضهم من قومه، ثم كان التنبيه القارع عندما رأى الدم يسيل من أخته، فزالت عنه الغشاوة، فكان عمر الشفيق العدل المدرك إذ أزال الله تعالى عنه غشاوة الباطل.