للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشار سبحانه وتعالى إلى هذه المطالب فى ايات أخرى، وبين أنهم لو جاءتهم لا يؤمنون فقال تعالت كلماته: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ. فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ، مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ، وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً، وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ، فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ. وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ، لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ. وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا، وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ «١» .

طلبوا كل هذا لا ليؤمنوا، فقد سبق القول بالكفر، وإذا سبق الاعتقاد الباطل فى أمر فإن كل الاتجاهات لإثبات هذا البطلان، بالسلب إذا لم يأت لهم الدليل الذى يريدونه، وبالإيجاب بالإنكار وعدم الإقرار، فإن التعنت لا تزيده قوة الدليل إلا إصرارا، وكثرة الأدلة إلا لجاجة فى الإنكار.

وإن الله تعالى قد اختار لهم القران دليلا، ليعطيهم فرصة للتفكير، وهو يخاطبهم فى أمر الدعوة، وقد تتولد التوبة والغفران، أما الأدلة الحسية، فإنها تجيء دفعة، فإما العقاب وإما الإيمان، وفى الماضى عبرة فما جاءت اية من نوع ما يطلبون إلا كانت النتيجة هلاكا، ولم تكن إذعانا، لأنهم ما كانوا ليذعنوا بالحق، بل قد سبق التكذيب، وقد قال تعالى يشير إلى ذلك: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ، وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً، فَظَلَمُوا بِها، وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً «٢» .

٢٤٣- ما كانت هذه الأسئلة، إلا لإظهار النبى عليه الصلاة والسلام بمظهر العاجز، وإذا ظهر عجزه فى زعمهم اتخذوا من ذلك ذريعة لمنع الناس عن اتباعه، وللوقوف ضد ينبوع الإيمان الذى يسرى، ولا ينقطع، ولكن هل تحقق ما أرادوا، لقد ثبت بذلك صدقه، وأنه لا يريد إلا الحق، والأتباع يزيدون ولا ينقصون ولا يرتد أحد، بل يزدادون إيمانا. وإنهم يحيلون موضع الجدل ايات، والقضية توحيد أو تعدد.

فهل يجادلون فى الله، وهو شديد المحال.


(١) سورة الأنعام: ٤- ٩.
(٢) سورة الإسراء: ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>