قال له جعفر: نعم. فقال له النجاشى: هات ما عندك. فقرأ عليه صدرا من كهيعص.
تأثر النجاشى من وضوح الحقائق بين يديه، وكان فيما قرأه خبر زكريا وما وهبه الله تعالى من يحيى، ثم جاء فى حمل مريم إذ جاء الملك، وقال لها إنى رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا ... ثم ولادة عيسى عليه السلام.. إن النجاشى كان مؤمنا يدرك الحق إذا ألقى عليه، وكان عادلا، وكان صادق النظر لإيمانه وعدله.
فبكى من فرط تأثره، وإدراكه الحق حتي اخضلت لحيته، وقالوا إن أساقفته وافقته ابتداء حين سمعوا ما تلي عليهم.
قال النجاشي: إنه والذي جاء به عيسي ليخرج من مشكاة واحدة.
ثم قال للاثنين اللذين بعثهما القرشيون: انطلقا، فو الله لا أسلمهم إليكما ولا يكادون.
٢٦٣- هذه هي الجولة الأولي في الكيد الذي يكيد الباطل لأهل الحق، وقد كانت النتيجة إحقاق الحق، ولكن عمرو بن العاص لا يقف عند الهزيمة الأولي في الكيد، فهو واسع الباع فيه، فكانت المجاوبة بينه وبين صاحبه الذي هو أنقي نفسا.
قال عمرو لصاحبه: والله لاتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم.
فقال له صاحبه: لا تفعل، فإن لهم أرحاما، وإن كانوا قد خالفونا.
قال عمرو الماكر: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد.
جاء الغد، والتقى عمرو بالنجاشى، ومعه صاحبه عبد الله بن ربيعة.
قال عمرو: أيها الملك، إنهم يقولون فى عيسى بن مريم قولا عظيما، فأرسل إليهم، فسلهم عما يقولون فيه. فأرسل إليهم وقد وقعوا فى حيرة وخوف، فقال بعضهم: ما تقولون فى عيسى بن مريم، ولكن الذين تحملوا أذى قومهم على استعداد لأن يتحملوا غيره، ولذا قالوا مصممين: نقول والله ما قال نبينا كائنا فى ذلك ما هو كائن، فلما دخلوا على النجاشى قال لهم: ماذا تقولون فى عيسى بن مريم؟.
قال جعفر: نقول فيه الذى جاءنا به نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم يقول هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول.