للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أن التبنى بكل ضروبه كان أمرا معروفا عند العرب، أخذوه من جيرانهم الرومان، فكان من الممكن تبادل الأبناء، ويمكن تبادل الإخوة، وأبناء الإخوة فى نظرهم.

ذهبوا إلى أبى طالب يعرضون عليه أن يسلمهم ابن أخيه فى نظير أن يعطوه فتى من قريش يكون ابن أخيه بدل محمد عليه الصلاة والسلام، وكأن المحبة سلعة تقبل المبادلة، والانتقال من شخص ليحل محله شخص اخر.

قال قائلهم لأبى طالب الجليل: يا أبا طالب، هذا عمارة بن الوليد، أنهد فتى فى قريش، وأجمله، فخذه، فلك عقله ونصره «١» ، واتخذه ولدا فهو لك، وأسلم إلينا ابن أخيك هذا الذى قد خالف دينك ودين ابائك، وفرق جماعة قومك وسفه أحلامنا، ونقتله، فإنما هو رجل برجل.

لا شك أنها فكرة سخيفة يعطيهم ابن أخيه ليقتلوه، ويأخذ ولدهم ليحميه، وقد سارع إليهم الرجل العظيم ليبدى سخفها.

قال لهم أبو طالب: والله لبئس ما تسوموننى، أتعطونى ابنكم أغذوه لكم. وأعطيكم ابن أخى لتقتلوه، هذا والله ما لا يكون أبدا.

قال المطعم بن عدى من بني عبد مناف: والله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك، وجاهدوا على التخلص. فقال: أبو طالب للمطعم لائما أو عاتبا: يا مطعم، والله ما أنصفونى، ولكنك قد أجمعت خذلانى، ومظاهرة القوم على، فاصنع ما بدا لك.

وإن القوم قد اشتدوا فى ذلك، وكما قال ابن كثير: حقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، ونادى بعضهم بعضا «٢» .

٢٦٨- لقد صار أبو طالب فى أمر مرير، وشدة من قومه، وهو لا يريد أن يتخلى عن ابن أخيه مهما تكن الأحوال، ومهما تكن الشديدة، فشيخ البطحاء ابن عبد المطلب يتحمل كل شيء فى سبيل مروءته وهمته، وعزمته الهاشمية، ولقد أدنى ذلك مؤقتا أبا لهب إلى أخيه رحمة به وشفقة عليه، فغضب على قريش لأنها أحرجت شيخها، وجعلته من الأمر فى عسر، وخصوصا أنه أراد أن يجعل ابن أخته أبا سلمة فى جواره، كما أن محمدا فى حمايته، فقالوا: يا أبا طالب، أنت منعت ابن أخيك محمدا (عليه


(١) العقل دفع الدية أى يدفع عنك الدية، وتدفع عنه، وينصرك وتنصره.
(٢) البداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>