للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا كنت بضحنان مررت بعير بنى فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء، قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه، وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، واية ذلك أن عيرهم تصوب الان من ثنية التنعيم «١» البيضاء يقدمهم جبل أورق عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والاخرى برقاء، فابتدر القوم الثنية..

وسألوهم عن الإناء وعن العير فأخبروهم، كما ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

وإن هذا كله يدل على أن الإسراء كان بالروح والجسد، فإنه تلاقى مع المارين بين مكة المكرمة والشام وأخبر عن التلاقى، وصدق خبره عليه الصلاة والسلام، وإذا كانت بعض هذه الروايات فى إسنادها كلام، فإن بعضها يقوى الاخر، ونص القران الكريم ظاهر فى تأييد الدعوى، بل لا يدل على غيرها حتى يقوم الدليل.

ولو كان الإسراء بالروح أو الرؤيا الصادقة ما كانت ثمة غرابة تمنع التصديق، ولبادر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإخبارهم أن ذلك رؤيا فى المنام، أو هذا وحى أوحى به إليه.

ولقد كان بجوار هذا القول الذى تنطق به الاية الكريمة قول اخر، روى عن أم المؤمنين عائشة رضى الله تبارك وتعالى عنها وعن أبيها الصديق رضى الله عنه، وروى أيضا عن معاوية بن أبى سفيان، وقد كان إبان ذلك هو وأبوه من المكاذبين الذين يناوئون الدعوة، ولكن لعله نقل عن غيره ممن شاهدوا، وعاينوا، كما نقلت عائشة عن غيرها، وما كانت فى ذلك الإبان قد زفت إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.

وقد كان معاوية مسلما من بعد أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها وعن أبيها الصديق، واحتج بقول عائشة هذا، وقد أثر عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه أمر بأن يؤخذ الدين عن عائشة.

ولكن الخبر عنها يحمل فى نفسه ما يوهم عدم صدقه عنها، ففيه: أنها قالت: «لم تفقد بدنه» وأن ذلك يوهم أنها كانت معه فى مبيت واحد، مع إجماع المؤرخين والمحدثين على أنه لم يبن بها إلا فى المدينة.

وقد استدل أصحاب هذا القول بما روى الحسن البصرى عن أن قول الله تعالى: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ «٢» وقالوا إن الرؤيا هى ما كان فى ليلة المعراج، والرؤيا هى ما يكون فى المنام، كما حكى عن سيدنا يعقوب: أنه قال لابنه يوسف بعد أن قص عليه ما راه فى المنام: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ.


(١) هو مكان فى مدخل مكة.
(٢) سورة الإسراء: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>