للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاء فى كتاب البصائر للفيروزبادى: «الرؤيا ما رأيته فى منامك، والجمع رؤى كهدى، وقد تخفف الهمزة من الرؤيا، فيقال بالواو» «١» وهذا وغيره نصوص صريحة فى أن الرؤيا منامية.

ولكن أهى كانت فى الإسراء أم كانت فى المعراج؟ إن رواية الحسن رضى الله عنه تقول: هى ما كان فى ليلة المعراج، نعم أن الليلة كانت واحدة، ولكن النص على ليلة المعراج يدل على أن كلام الحسن ومن معه فى المعراج لا فى الإسراء.

ويستدل أصحاب هذا القول، وهو أن الإسراء كان بالروح بحديث البخارى عن أنس بن مالك قال: ليلة أسرى برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من مسجد الكعبة جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم فى المسجد الحرام. فقال أولهم أيهم هو، قال أوسطهم هذا، وهو خيرهم، فقال اخرهم:

خذوا خيرهم ... فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، وتنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم، ولم يكلموه حتى احتملوا فوضعوه عند زمزم، فتولاه منهم جبريل ... والحديث طويل وقال فى اخره واستيقظ وهو فى المسجد الحرام، ويرى صاحب الروض الأنف أنه نص لا إشكال فيه.

ونرى أن فيه إشكالا، لأنه نص فيه على أنه كان قبل أن يوحى إليه، ونرى أنه لم يتعرض لذكر الإسراء والمعراج، ولعلها كانت إذا صحت الرواية فى موضوع اخر.

ويرى صاحب الروض الأنف أن الأدلة قد تعارضت بالنسبة للإسراء وأنه يوفق بينها بأن الإسراء كان مرتين: إحداهما بالروح والاخرى بالجسد والروح.

ونحن نرى أن الأدلة لم تتعارض، بل الأدلة على أن الإسراء كان بالجسد والروح هى التى لا ريب فيها، ولا يمكن أن يعارض الضعيف القوى.

ولذا نرى أن الإسراء كان بالجسد والروح، ولا نجد فيما استدل به ما يدل على أنه كان بالروح فقط، وإن الاية: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ لا نرى أن موضوعها هو الإسراء، بل إن موضوعها هو المعراج.

ولا غرابة فى أن ينقل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى بيت المقدس وأن يعود به فى ليلة واحدة، فإن هذا ليس ببعيد على الله سبحانه وتعالى، لأن المسافات فى الزمان والمكان، إنما هى بالنسبة للعبيد، لا تكون قط بالنسبة لله سبحانه وتعالى وهو القادر على كل شيء، وهو خالق الأماكن والأزمان.


(١) بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز ٣ ص ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>