للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: وما هذان الحيزان.

فقال له المثنى: أما أحدهما فطفوف البر، وأرض العرب، وأما الاخر فأرض فارس وأنهار كسرى، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى: لا نحدث حدثا ولا نؤوى محدثا، ولعل الأمر الذى تدعونا إليه مما يكرهه الملوك. فأما ما كان مما يلى العرب، فذنب صاحبه مغفور، وعذره مقبول، وأما ما كان يلى بلاد فارس، فذنب صاحبه غير مغفور، وعذره غير مقبول؛ فإن أردت أن تنصرف ونمنعك مما يلى العرب فعلنا.

فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما أسأتم الرد، إذ أفصحتم بالصدق، إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه.

ثم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: مخاطبا: «أرأيتم، إن لم تلبثوا، إلا يسيرا، حتى يمنحكم الله بلادهم وأموالهم، ويغريكم بهم أتسبحون الله وتقدسونه؟ فقال النعمان بن شريك: «اللهم إن ذلك لك يا أخا قريش» .

فتلا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قول الله تعالي: إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ، وَسِراجاً مُنِيراً «١» .

ثم نهض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قابضا على يدى أبى بكر.

يقول ابن كثير فى البداية والنهاية بعد أن ساق الخبر: هذا حديث غريب جدا، كتبناه لما فيه من دلائل النبوة، ومحاسن الأخلاق ومكارم الشيم، وفصاحة العرب» «٢» .

وفى الخبر أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم تنبأ لهم أنهم سينصرون على فارس قريبا، وقد انتصروا فعلا، وأعلن ذلك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقد قال لأصحابه: «احمدوا الله كثيرا، فقد ظفر أبناء ربيعة بأهل فارس» وإن هذا الخبر الطويل يدل على أمور:

(أ) منها أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان دائبا على بث الدعوة بين القبائل فى موسم الحج، سواء أكانوا من القبائل المتاخمة لفارس، أم المتاخمة للروم فى الشام، وأنه كان يلقى تأييدا على حسب البعد.

(ب) ومنها- أنه كما كان يلقى صدودا، كان يلقى أيضا حسن تفهم، وإن كان ثمة تمرد، ومنشؤه أنهم لا يريدون أن يتركوا ما هم عليه ليغيروا بمجرد مجلس.


(١) سورة الأحزاب: ٤٥، ٤٦.
(٢) البداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ١٤٤، ١٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>