للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تذهبين، فقالت: أنا هاربة من وجه مولاتى ساراى. فقال لها ملاك الرب: ارجعى إلى مولاتك، واخضعى تحت يديها، وقال لها ملاك الرب: تكثيرا أكثر نسلك فلا يحصى، وقال لها ملاك الرب: ها أنت حبلى وتلدين وتدعينه إسماعيل، لأن الرب قد سمع لضراعتك، وأنه يكون إنسانا وحشيا، يده على كل واحد، ويد كل واحد عليه، وأمام جميع إخوته يسكن» .

وجاء فى الإصحاح الحادى والعشرين: «مضت وتاهت فى برية بير سبع، ولما فرغ الماء من القربة طرحت الولد تحت إحدى الأشجار، ومضت وجلست مقابله بعيدا على مرمى القوس، لأنها قالت:

لا أنظر موت الولد، فسمع الله صوت الغلام ونادى ملاك الرب هاجر من السماء: لا تخافى، لأن الله قد سمع صوت الغلام حيث هو، قومى احملى الغلام، وشدى يدك به، لأنى سأجعله أمة عظيمة، وفتح الله عينها، فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة ماء، وسقت الغلام، وكان الله تعالى مع الغلام، فكبر، وكان وسكن فى برية فاران، وأخذت له أمه زوجة من أرض مصر» ..

٤٣- (أ) هذه نصوص صريحة فى التوراة تدل على أن إسماعيل ولد من هاجر جارية سارة، وأنه ولد فى برية فاران، وهى قد كانت حول الكعبة، وأن هذا حجة على منكر أن يكون إسماعيل من ولد إبراهيم أو أنه جاء إلى أرض الحجاز، وأن اليهود قالوا هذا ليتقربوا إلى العرب، بحسبان أنهم أولاد عمومة.

(ب) وعلى أن هذا التشكيك أمر مثير، من غير بينة، ولا دليل، وكأنه يشك فى التوراة أيضا، وما كانت إصحاحات التوراة مقارنة لتقريب اليهود من العرب، بل إنها سابقة على ذلك.

وإن الشك الذى أثاره تدل الأمور الثابتة على مناقضة ما أثاره، وذلك لأن الطبع اليهودى فى ماضيهم وحاضرهم أنهم لا يعترفون لأحد بدين غير دينهم، وأنهم كانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، ويقولون وهم بين ظهرانى العرب: ليس علينا فى الأميين سبيل ... وأن المعروف أنهم كانوا فى البلاد العربية يستعلون على العرب ويظنون أنهم الأعلون بما أوتوا من كتاب.

(ج) وفوق ذلك فإن العمومة المدعاة من اليهود لا أصل لها فى زعم ذلك الكاتب النحرير، فكانت للعرب العدنانية التى تنتهى إلى إسماعيل عليه السلام، وهم الذين يسمون العرب المستعربة، واليهود، عندما اووا إلى العرب فارين بدينهم من عنت التتار، ومن بعدهم الرومان، ومن أذاقوهم العذاب أكؤسا، إنما أووا إلى أرض عرب قحطان، فهل يعقل أن يتملقوا القحطانيين بادعاء النسب إلى العدنانيين، والارتباط بينهم برباط القرابة بالعمومة ونحوها، إنما المعقول الذى لم يدركه الكاتب النحرير أن يكون الادعاء عند القحطانيين، لا عند العدنانيين، ولا يصدق كلام ذلك إلا أن يكون تصرفهم مخالفا كل معقول، ويأتون عكس ما يريدون، كعقل ذلك الكاتب.

<<  <  ج: ص:  >  >>