فخف بعضهم استجابة لنداء النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وثقل بعضهم، وإن كان على استعداد، لأنهم لم يتوقعوا قتالا، كما كان في السرايا والغزوات السابقة، فإنهم لم يلتقوا بالمشركين، ولم يكن قتال.
وإن أبا سفيان الذى كان على رأس العير التى حمولتها ألف بعير، كان يتخوف من أن يلقاه المسلمون فيأخذوه، كما أخذوا عير ابن الحضرمى وقتلوه، ولذلك كان يتحسس أخبار النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه، ويتعرف حركاتهم.
فكان يسأل من يلقى من الركبان، حتى أصاب خبرا، بأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم استنفر أصحابه للقاء أبى سفيان، وعيره، وتأكد أن المصير الذى سيلقاه هو والعير هو ما لقيه ابن الحضرمى وعيره.
وقد دفع به الحرص على عير قريش إلى أمرين:
أحدهما- أنه مال عن طريق بدر، ونجا بعيره، وجاء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ومن معه من المهاجرين فوجدوا العير قد أفلتت منهم، ولم ينالوا منها، وعلموا أن وراءها القتال.
الأمر الثانى: أنه أرسل إلى قريش يستغيث بها لتحمى عيرها التى معه، وليعمل على أمن الطريق من محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى أصحابه وليجهز جيشا يقضى على محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى أصحابه.
أرسل ضمضم بن عمرو الغفارى يبين ما تتعرض له العير، وأن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم وصحبه يتعرضون لها، فذهب ضمضم يصرخ ببطن الوادى، واقفا على بعيره وقد جدعه وحول رحله، وشق قميصه ليسترعى الناس، وينبههم إلى ما يقول، ثم قال:«يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة «١» أموالكم مع أبى سفيان، قد عرض لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث، الغوث» .
كانت تلك الكلمات الحارة مع المظهر الذى ظهر به دافعة القوم إلى أن يندفعوا معتزمين الدفاع عن أموالهم، وإنقاذها، فكانت قريش ما بين رجلين، رجل اعتزم أن يخرج بنفسه، وآخر ينيب عنه من يدافع عن ماله، ومال قريش كلهم، وبينما هم قد تجهزوا وأعدوا العدة بلغهم أن العير قد نجا بها أبو سفيان إذ غير الطريق كما أشرنا، فأرسل إلى قريش يبشرهم بنجاة العير، إذ قال لهم «إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم، ورجالكم وأموالكم فقد نجاها الله، فارجعوا» .
(١) اللطيمة: الإبل التى تحمل الحرير والطيب وغيرهما