وبذلك ذهب السبب الذى كان من أجله الخروج، ولكن لأجل الحقد والعنف في قلوب بعض المشركين، وعلى رأسهم أبو جهل أبى إلا المضى إلى بدر، فقال:«والله لا نرجع حتى نرد بدرا» .
فرد كلامه بعض حلفاء بنى زهرة، وقال وهم بالجحفة:
«يا بنى زهرة قد نجى الله أموالكم، وخلص لكم صاحبكم مخرمة ابن نوفل (وكان في حماة العير) وإنما كفرتم بنعمته وماله، فاجعلوا لى جبنها وارجعوا، فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا على غير ضيعة، لا ما يقول هذا الرجل (أى أبو جهل) فلم يشهدها زهرى واحد» .
ولم يكن بقى من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس، وبنو عدى بن كعب لم يخرج منهم.
وكانت محاورات في صفوف الذين خرجوا للقتال من شأنها أن توجد ترددا في الخروج، وقد قال بعضهم في محاورة لطالب بن أبى طالب، وقد استعد للخروج «لقد عرفنا يا بنى هاشم، وإن خرجتم معنا أن هواكم لمع محمد» فغضب لذلك طالب. ورجع مع من رجع.
كان هذا التردد والرجوع من بعضهم بعد أن خرجت رجالات قريش للدفاع عن العير، ولا شك أن من بقى مصرا على القتال قد نهنه من عزمته ذلك الخلاف، مع رجوع بعضهم، وخصوصا أن سبب الخروج قد زال.
ومهما يكن من أمر ذلك التردد فقد خرجت قريش على الصعب والذلول في خمسين وتسعمائة مقاتل معهم مائتا فرس يقودونها، وأعداد من الإبل تجاوزت الحسبة، ومعهم القيان يضربن بالدفوف، ويغنين بهجاء المسلمين.
٣٧٧- لنترك هؤلاء وعيرهم وجيشهم وقيانهم، ولنذكر العطر من أخبار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. لقد خرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بنحو تسعة وثلاثمائة أو حول هذا العدد، وكان في هذه المرة من المهاجرين والأنصار قاصدين بدرا، ليلقوا العير هنالك، فلم يدركوها، وفربها أبو سفيان مخالفا طريق بدر جاعلا بدرا على يساره، وبذلك نجا العير ومن معه.
وعلم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مما تحسس من أخبار أن قريشا قد خرجت في هذا العدد بجيش لجب فيه الأفراس والإبل، وأنه إذ فر منه العير فقد لقى النفير، وإنها الحرب لا محالة.
ولذلك أخذ يجمع قلوب جنده، بعد أن جمع عددا وإن كان قليلا في عدده فهو قوى في إيمانه، إنه واثق من المهاجرين والأنصار، ولكن خشى أن يفهم الأنصار أن العهد لا يلزمهم أن يخرجوا معه، بل يلزمهم العهد إن دهم في المدينة المنورة وأن ليس عليهم أن يسيروا معه لقتال عدو لم يجيء إلى بلدهم.