ذلك أن صيغة العهد أنهم قالوا: يا رسول الله- عليه الصلاة والسلام- إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع به أبناءنا ونساءنا.
وربما توهم بعضهم أن هذا العهد لا يلزمهم بالخروج ولا بد من اليقين عند الحروب، لذلك أراد أن يتعرف ما في قلوب أولئك الذين آووا، وهل ينصرونه في هذا الموطن، وقد خرجوا للعير، لا للنفير.
استشار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه ليظفر بمشورة رجل حسن المشورة، وليتعرف حال جنده مهاجرين وأنصارا بصفة خاصة.
استشار رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال أبو بكر وأحسن القول، وقال عمر بن الخطاب فأحسن القول، وما كان يريد قول عمر وأبى بكر، فهو مستيقن بإيمانهما وإقدامهما، ولكنه يريد من وراءهم.
فقام المقداد بن عمرو واقفا وقال:
يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «امض لما أراك الله، فنحن، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: «اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون» ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فو الذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك، من دونه، حتى تبلغه»
فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خيرا، ودعا له.
وهنا استيقن من المهاجرين، وبقى أن يطمئن إلى الأنصار الذين قد يتوهمون أن العهد الأوّل لا يلزمهم بالخروج، فقال: أشيروا على أيها الناس (يريد الأنصار) . قال سعد بن معاذ:«والله لكأنك تريدنا يا رسول الله» قال عليه الصلاة والسلام: «أجل» .
قال سعد: «لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما أردت، فنحن معك، فو الذى بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله» .
عندئذ آمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قد صدق وعده، وأن معه جيشا يؤمن بالله وبالحق، وأنه لا يتردد، ولذلك سر عليه الصلاة والسلام بقول سعد، ونشطه