قال أمية: قبحك الله، وقبح ما جئت به- وتجهز ذلك الرجل ذو المكانة من غير حماسة، ولكن خشية الملامة، وأبو لهب الذى كان يخذل الوفود العربية في الحج عن متابعة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، امتنع عن أن يذهب إلى القتال بنفسه وأناب عنه العاصى بن هشام بن المغيرة في نظير تركه دينا له كان قد أفلس به، فجعله في نظير خروجه.
ولم يذهب طالب بن أبى طالب، لأنه كما قال بعض القرشيين: كان هوى بنى هاشم مع محمد الهاشمى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وكان خروج العباس، وهو الهاشمى الأوّل غريبا لأنه كان يذهب مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عند لقائه مع الأوس والخزرج في العقبة الثانية، ويطمئن على حمايتهم للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ويبين لهم أنه في منعة من قومه، وأنهم إن لم يمنعوه، فليتركوه في حماية قومه، فما كان ليخرج ويقاتل جيش ابن أخيه. وهو يريد هزيمته، بل خرج ليدرأ عن نفسه ملامة قريش الذى يعد من كبرائها، وليكون له دائما السلطان فيهم، ولا يكون فردا ما بينهم.
وإنا نحسب أن أبا سفيان نفسه لم يكن مؤمنا بضرورة هذه الحرب بدليل رسالته التى أرسلها إلى قريش.
(د) وإن قريشا في جملتها خافت من الحرب، ذلك أنهم بعد أن فرغوا من جهازهم وأجمعوا المسير، ذكروا ما كان بينهم وبين بنى بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب، فخشوا أن يأتوهم من ورائهم، وقال قائلهم إنا نخشى أن يأتونا من خلفنا. ونراهم قد فزعوا من الحرب، وظنوا أن ما وراءهم من عورات أكثر مما يستقبلهم من حروب، فما كانوا مؤمنين بالحرب، ولا معتزمين لها إلا ما كان ممن أعماهم الحقد والجهل والحسد- وهم أيضا كانوا يرهبون المؤمنين، ويخافونهم، وكان من بعضهم عند ما التقى الجمعان أو أوشكا على اللقاء في وقت يثبط عن القتال، وقد صار قاب قوسين أو أدنى، ولعله كان يثبط لحقن الدماء، وقد بدا من كلامه ما يدل على أنه يريد الرحم لا الحرب مع الاختلاف في العقيدة.
روى ابن إسحاق بسنده، أنه لما اطمأن القوم (أى المشركون) بعثوا عمير بن وهب الجمحى فقالوا: أحزروا لنا أصحاب محمد. فاستجال بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا، أو ينقصون، ولكن أمهلونى حتى أنظر للقوم كمينا أو مددا فضرب في الوادى حتى أبعد، فلم ير شيئا، فقال: ما وجدت شيئا- ولكنه بين رهبة الموقف وأن العبرة ليست بالعدد، ولكن بقوة النفس وإرادة الموت، فقال مخاطبا الجيش، وهو على أهبة القتال: