للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طحنت رحى بدر لمهلك أهله ... ولمثل بدر تستهل وتدمع

ويقول في التحريض من هذه القصيدة:

ويقول أقوام أسر بسخطهم ... إن ابن أشرف- قل- كعبا يفزع

نبئت أن بني المغيرة كلهم ... خشعوا لقتل أبي الحكيم وجدعوا

وابنا ربيعة عنده ومنبه ... ما نال مثل المهلكين وتبع

نبئت أن الحارث بن هشامهم ... في الناس يا بني الصالحات ويجمع

ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يحمى على الحسب الكريم الأروع

وهكذا يحرض على القتال، ويرثى القتلى بعبارات تؤجج نيران الحقد ليدفعها إلى الثأر.

٤١١- هذا ما يفعله الرجل اليهودى المنطلق من كل العهود والمواثيق، أيسكت النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو المحارب الحذر الذى يهجم على مداخل الأذى قبل أن يلج منها العدو، أم يعلنها على قومه أو من ينتمى إليهم من بنى النضير، وأكثرهم لم ينالوا المؤمنين بمثل ما نال، ولا تزر وازرة وزر أخري، والنبى عليه الصلاة والسلام لا يعلن الحرب إلا على من أعلنها، ولما يعلنوها.

أم يسكت ويترك الشر يستشري، ويحاكيه في أفعاله بقية يهود، لا شك أن آخر الدواء الكي، إنه لابد أن يجتث الداء في موضعه، ولا يتركه حتى يفسد الجسم كله، ولا منجاة حينئذ، لم يبق إلا أن يقتل كعبا حسما لمادة الفساد، وما السبيل لدفع شره غير القتل، إنه لا سبيل إلا هو، وأن يقضى على الداء، أن يعلن عليه النبى عليه الصلاة والسلام الحرب، وهل تعلن الحرب على واحد، لقد قلنا أن من ينتمى إليهم لم يكن منه مثل ما فعل.

فلم يبق إلا أن يقتل، وأن يدعو النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من يتولى قتله في مأمنه، وقد اتخذ حصنا يأوى إليه، فحرض عليه الصلاة والسلام من يقتله من غير ضجة، ولا إزعاج لأحد من الآمنين، ولقد انتدب لذلك من رأى في نفسه القدرة من الصحابة، واستأذنوا الرسول في أن يخدعوه بالقول فأذن.

ولقد وجدنا من الغربيين الذين يكتبون في تاريخ الإسلام من أثاروا زوبعة حول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم. وكيف يأمر بالقتل غيلة، وهو نبى مرسل، قالوا ذلك، ونسوا أنه نبى محارب لا يدعو إلى الاستسلام للشر، بل يقاومه، ويحتاج لحماية الناس من الضرر، وأنه بمقتضى حكمة النبوة يجب أن يدفع الضرر الكثير بالضرر القليل، وإنه في سبيل أن تحقن الدماء في القتال يجب منع أسبابها، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>