للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذى كان يثير الحرب جذعا هو واحد وقتل واحد شرير خير من قتل جماعة في ميدان الحرب، فهو كان يحرض على الحرب.

قالوا إن القتل كان غيلة، ونحن نقول في ذلك إن الرجل جاهر بالعداوة، وشبب بنساء المسلمين، وحرض اليهود على الانقضاض على المؤمنين ونكث العهود. ولم يكتف بذلك، بل ذهب إلى مكة المكرمة، وأثار الأحقاد ودعا إلى أن يقاتلوا محمدا عليه الصلاة والسلام.

فعل كل ذلك جهارا نهارا، فإذا لم يتوقع من محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أنه يتربص به الدوائر الدائرة، وأنه يريد أن يقضى عليه، لأنه مادة الشر ولسانه، إذا لم يقدر ذلك فهو أبله، ولم يكن كذلك فمحمد عليه الصلاة والسلام أمر بقتله في وقت كان هو يتوقع ذلك، أو ينبغى أن يتوقع ذلك ولا يعد القتل غيلة لمن يتوقع القتل، إن قتل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم يشبه من يعلن عن شرير بأنه ارتكب آثاما كثيرة، وأن من أحضره حيا أو ميتا، فله جزاء.

إننا فرضنا أن الحكمة والعدالة والأخلاق توجب التخلص منه، وإذا لم يجز التخلص منه بالطريقة التى حدثت وهى الخديعة، فكيف كان يمكن التخلص، أيحضره من ينتمى إليهم فيقدمونه للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، إنهم لا يفعلون ذلك، ولم يوجد من يتحمل تبعة عمله وما يفعل، وإذا لم يكن ذلك أيأمر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بإحضاره بين يديه والحكم عليه بالقتل ويتولى قتله، وما الفرق بين هذا، وبين ما كان من حيث المعنى.

إن قتله كان أمرا لابد منه لما قام به، ويقوم به رئيس الدولة العادلة التى يحكمها ذلك الحاكم العادل، فإنه لا سبيل لدفع فساده وإفساده إلا بقتله بأى طريق كان القتل، وكل ما فعله النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أنه أباح دمه، جزاء ما ارتكب، ومنعا لاستمراره في غيه، فقد كان يقوم بجريمة مستمرة غير متحرج، فالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم كان مخيرا بين أمرين إما أن يقتله، وإما أن يتركه يرتع في جريمته، فاختار أسلم الأمرين، اللذين لا مناص من اختيار أحدهما.

وإن أولئك الذين يثيرون الشك حول أعمال محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وحول رسالته السماوية التى كانت رحمة للعالمين- يقولون إن الرسالة السماوية تتنافى مع القتل غيلة، بل تتنافى مع أصل القتل، كما كان من عيسى عليه السلام الذى يروون أنه قال: «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر» .

<<  <  ج: ص:  >  >>