على، وهو الذى يهجم ويضرب، فلا يهمه أيقع الموت عليه أم يقع على عدوه، وبعد أن استولى المسلمون على الهضبة أخذوا يقاتلون، ولم يغن المشركين، إذ استمر خالد في هجومه، فقام المسلمون، وكانت الصفوة المختارة من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومن أمثال أبى دجانة والزبير، وطلحة، وحامل اللواء على فقابلوه بهجوم مضاد وصدوه، بعنف الجبال.
ومضى بريق النصر لقريش عند ما اضطرب جيش المسلمين، وكثر الفتك فيه، وليس عددا كثيرا بجوار عدد المشركين، وعند ما شاع بينهم أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم قد قتل فحسبوا أنهم منتصرون ساحقون لجيش النبى عليه الصلاة والسلام، جيش الإيمان، ولكن ذهب البرق الذى خطف أبصارهم عند ما علا جيش المسلمين إلى الهضبة، وصد هجمات خالد ومن معه، وحمل اللواء على، واللواء حامل النصر، وإن تخاذل خذل من وراءه، وعلى لا يتخاذل، وقد علموا سيفه في بدر وأحد، وكما قال أبو سفيان: يؤتى الجيش من حامل لوائه.
ولا ننسى أن جيش قريش قد أصابته جراح الحرب ابتداء، فالأمل هو الذى داوى جرحه فهجم، وسط اضطراب جيش الإيمان، فلما استقام له الأمر، نغرت جراحهم، وخافوا العقبى، ويئسوا من النصر الساحق، إذ رأوهم وقفوا أمامهم، وقد ذاقوا من قبل وبال الأمر من هجومهم، وإن كانوا قليلا.
عندئذ رأوا أن ينهوا القتال، وقد فرحوا بهذا النصر المؤقت، وخشوا أن يضيع منهم وإنه لابد ضائع، لقياسهم القابل على الماضى، والحاضر لحظة ستصير ماضيا.
٤٢٤- هذه غزوة أحد التى يقول فيها المؤرخون إن الهزيمة فيها كانت على جيش النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، ولكنى أرى أن تسمية ما أصاب المسلمين هزيمة ليست تسمية تنطبق على الواقع تمام الانطباق، إنما تكون الهزيمة إذا كان جيش الإيمان قد فر فرارا، والآخر قد تبعه في فراره، حتى داهم المدينة المنورة، وكان ما يكون بعد ذلك.
إنما الذى أنهى القتال هم المهاجمون، وكأنما اكتفوا بأن أصابوا مقتلة من المسلمين، ورضوا بذلك لأنهم لا طاقة لهم فيما وراء ذلك، وقد رأوا السيوف الإسلامية تبرق، وذاقوها مرتين، ولذا تتبعهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
وإذا كان ما في أحد لا يسمى هزيمة، فإنه لا يسمى نصرا أيضا لأحد الفريقين. وقد يسمى جراحا للمسلمين، كما سماها القرآن الكريم، إذ سماها قرحا، وسماها إصابة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ، فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ